مقال

أجزم أنه عالم منافق.

جريدة الأضواء

أجزم أنه عالم منافق.

كتب / يوسف المقوسي

 

لقد وصلت إلى قناعة أن أكثر ثم كل ما أقرأه وأسمعه وأشاهده حول موضوع أوكرانيا بعيد عن الصدق. تأكدت مما انتهينا إليه حين سمعت وقرأت ورأيت أن جميع أطراف هذا الصراع راحت تتبادل الاتهام بالكذب. الغرب لا يجد في بيانات روسيا غير الكذب وروسيا تتهم الغرب والأوكرانيين بالكذب والصين تشك في صحة مواقف الطرفين وإن لم تفصح إلا عن القليل، وهذه في حد ذاتها مواقف لا تبتعد كثيرا عن حالة الكذب السائدة في الخطاب السائد بين الأطراف المباشرين في الحرب.

 

أتابع كثيرا وانسحب أحيانا. أتابع فأجزع فانسحب ثم أعود بحكم العادة. أتابع الضغوط التي تمارسها دول الغرب وبخاصة الولايات المتحدة وبريطانيا وبيروقراطية الاتحاد الأوروبي وبعض دول التماس مع الاتحاد الروسي. تابعت ما حدث مع حكومة عمران خان في باكستان ولم تنقذه علاقاته الوثيقة بالصين جارته الكبيرة. تابعت وجزعت. تابعت دفقات متتالية من الكذب من كافة أطراف السياسة في باكستان وفي الغرب انتهت جميعها بخروج مخزٍ للزعيم الذي تحدى ثم تصدى قبل أن ينزاح بفعل فاعل. كذب طويلا وكذب أخيرا. أتابع، وللأسف أيضا، الضغوط الصاخبة والمذهلة في آن، على الزعيم الهندي نارندرا مودي وجماعته في الحكومة المركزية وحكومات الولايات.

 

حتى هذا الرجل، وتحفظاتي عليه ليست قليلة ومنها أو على رأسها النقص في الصدق وفي الإنسانية رغم تشدده الديني وتطرفه العرقي، جزعت من حجم الضغوط وقسوتها على مستقبل الهند لو أن السيد مودي لم يستجب وبقي رافضا وقف التعاون مع موسكو والتوقف عن ممارسة سياسات عدم الانحياز عند التعامل مع أطراف الأزمة الأوكرانية.

أتابع أيضا الضغوط من كل أطراف الحرب الأوكرانية على دول الخليج المنتجة للنفط. مطلوب من هذه الدول أن تزيد من إنتاجها النفطي بهدف محدد وهو الإضرار بمصالح روسيا العضو الأحدث والمتزايد الأهمية والنفوذ في منظمة المنتجين للنفط. أجزع كلما فكرت في احتمال أن تطول الحرب فتلجأ دول الغرب وبخاصة الولايات المتحدة إلى تكثيف ضغوطها أو تنويعها غير واعية إلى أن هذه الدول كانت إلى عهد قريب من الحلفاء الدائمين للغرب. من الناحية الأخرى تضغط روسيا بسلاح الحبوب وبالأسلحة الأخرى حتى لا يخضع منتجو النفط ومنهم إيران لضغوط أمريكا فيميلون إلى الجانب الآخر في هذه الحرب.

 

يقال أن عدد العقوبات المفروضة على روسيا وقياداتها تجاوز الرقم 6000 عقوبة. العقوبات بهذا الحجم والعدد تشكل تطورا في العلاقات الدولية غير معهود وغير مقبول، صارت مثلها مثل العدوان العسكري والغزو الفعلي من دولة على أخرى بل واحتلالها. أظن أنه الرادع الأعظم الذي يمكنه نظريا إجبار الصين على التروي طويلا قبل اتخاذ قرار لاستعادة سيادتها على جزيرة تايوان الصينية تاريخا وعرقا. وفي رأي معلقين وأكاديميين أمريكيين هو الرادع الذي يكفل عودة الدول غير المنحازة في الحرب الأوكرانية “إلى رشدها”. الجدير بالذكر أن المواجهات في السياسة الدولية إذا اقتربت إلى هذا النحو من الحالة الصفرية فإنها في الغالب سوف تنحو مناحي العنف العشوائي وأحوال الفوضى الشاملة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى