مقال

الدكروري يكتب عن الإمام أسد إبن الفرات ” جزء 2″

جريدة الأضواء

الدكروري يكتب عن الإمام أسد إبن الفرات ” جزء 2″

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

ونكمل الجزء الثاني مع الإمام أسد إبن الفرات، وكانت إفريقية وهي تونس واقعـة تحت حكم دولة الأغالبة التي استقلت بحكم البلاد منذ سنة مائة وأربعة وثمانين من الهجرة، ولكنها كانت تابعة للدولة العباسية، وكانت هذه الدولة في بداياتها معنية بأمر الجهاد ونشر الإسلام واتجه اهتمام ولاة هذه الدولة إلى الجزر الكبرى الواقعة في البحر المتوسط مثل جزيرة صقليه وكورسيكا وسردانية وغيرها ولكن التركيز الأكبر كان على جزيرة صقلية التي تعتبر من أكبر جزر البحر المتوسط مساحة وأغناها من حيث الموارد الاقتصادية وأفضلها موقعا وانتبه المسلمون لأهمية هذه الجزيرة مبكرا وذلك منذ عهد الصحابة وحاولوا فتحها مرات عديدة، وفي سنة مائتان وإثني عشر من الهجرة، لما استنفر الناس للجهاد وفتح صقلية هُرعوا لتلبية النداء، فجُمعت السفن من مختلف السواحل وكلف حاكم تونس آنذاك ابن الأغلب.

 

أسد بن الفرات على الحملة البحرية بالرغم من كبر سنه الذي بلغ سبعين سنة، وكان أسد بن الفرات شديد الحرص على الخروج في هذه الغزوة كواحد من المسلمين ولكن الحاكم ابن الأغلب، أصر على أن يتولى قيادة الحملة العسكرية ويكون قاضيا فجمع له القيادة الميدانية والروحية نظرا لتأثيره في الناس وحبهم له، وخرج أسد بن الفرات من القيروان في حملة عسكرية قَوامها عشرة آلاف جندي من المجاهدين المشاة وسبعمائة فارس بخيولهم في أكثر من مائة سفينة خرجت من ميناء مدينة سوسة الساحلية التونسية وفي سنة مائتان واثني عشر من الهجرة، تحرك الأسطول تجاه جزيرة صقلية ووصل إلى بلدة فازر، في طرف الجزيرة الغربي بعد ثلاثة أيام من الإبحار، ودخل أسد بن الفرات على رأس جنده إلى شرقي الجزيرة وهناك وجد قوة عسكرية رومانية بقيادة فيمي الذي كان قد طلب سابقا مساعدة حاكم تونس.

 

لاستعادة حكمه على الجزيرة وعرض فيمي على القائد أسد بن الفرات الاشتراك معه في القتال ضد أهل صقلية ولكن القائد المسلم العالم بأحكام شريعته المتوكل على الله رفض ذلك وتمكن أسد بن الفرات من الاستيلاء على العديد من القلاع أثناء سيره إلى أن وصل إلى أرض المعركة عند سهل بلاطة نسبة إلى حاكم صقلية الذي أعد جيشا ضخما بلغ تعداده مائة ألف مقاتل وهو يمثل عشرة أضعاف جيش المسلمين، وخطب أسد في جيشه فذكرهم بالجنة ووعد الله عز وجل لهم بالنصر وتلا عليهم بعض آيات من القرآن وهو يحمل اللواء في يده، ثم اندفع للقتال والتحم مع الجيش الصقلي، واندفع الجنود المسلمون وراءه ودارت معركة طاحنة كان الأسد العجوز يقاتل فيها قتال الأبطال الشجعان حتى أن الدماء كانت تجري على درعه ورمحه من شدة القتال وكثرة مَن قتلهم بيده وهو يحمّس الجنود.

 

ويثبت عزائم المسلمين حتى تمكنوا من هزيمة الجيش الصقلي الذي فر قائده من أرض المعركة إلى روما وعلى إثر هذا الانتصار الحاسم واصل أسد بن الفرات زحفه حتى وصل إلى مدينة سرقوسة وشدد عليها الحصار وجاءته الإمدادات من تونس وأوشكت المدينة على السقوط ولكن مع الأسف حل بالمسلمين وباء خطير يُعتَقَد بأنه الكوليرا فهلك بسببه عدد كبير من الجنود وفي مقدمتهم القائد البطل أسد بن الفرات، ورحل أسد بن الفرات الفقيه والقائد البطل المرابط والمجاهد بعيدا عن أهله وبيته مؤثرا مرضات ربه ونصرة دينه وجمع بين خصال الداعية الفقيه وصفات القائد المجاهد، وهذا هو الأسد هو الأمير الكبير والفقيه البارع والمحدث الثقة وأمير المجاهدين أبو عبد الله، كان محبا للنظر والمسائل المتفرعة وإعمال العقل، فمال ناحية مذهب أبي حنيفة وظل هكذا حتى التقى مع علي بن زياد.

 

والذي يعتبر أول من أدخل مذهب الإمام مالك بن أنس بالمغرب، فسمع منه أسد كتاب الموطأ، وتلقى منه أصول مذهب مالك، وبعدها قرر أسد أن ينتقل إلى المشرق في رحلة علمية طويلة ابتداء من سنة مائة واثنين وسبعين من الهجرة، وهو في شرخ الشباب، ودخل أسد بن الفرات المدينة النبوية لسماع “الموطأ” من الإمام مالك مباشرة، وكان الإمام مالك له ترتيب خاص في إسماع الموطأ حيث كان يقسم السامعين إلى ثلاثة أفواج، فالفوج الأول وهم أهل المدينة، والفوج الثاني وهم أهل مصر، والفوج الثالث وهو بقية الناس، ولاحظ الإمام مالك حرص أسد على سماع الحديث وشغفه بالعلم، فأدخله مع الفوج الثاني أهل مصر، ولكن أسد بن الفرات كان شديد الشغف بالعلم، فاستقل مرويات مالك في الموطأ واستزاده في السماع فقال له مالك حسبك ما للناس فخشي أسد أن يطول به الأمر ويفوته ما رغب فيه من لقي الرجال وسماع الحديث.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى