مقال

الدكروري يكتب عن العبادة بعد رمضان ” جزء 1″

جريدة الأضواء

الدكروري يكتب عن العبادة بعد رمضان ” جزء 1″

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

إن كان رمضان قد انقضى فإن عمل المؤمن لا ينقضي إلا بالموت، فقال الله تعالى ” واعبد ربك حتى يأتيك اليقين” يعني الموت، وقال عن عيسى عليه السلام ” وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيا” وبئس القوم قوم لا يعرفون الله إلا في رمضان، حتى كأنما يعبدون رمضان، لا رب رمضان، والله تعالى لا يرضى من عبده أن يكون ربانيا في رمضان يسجد ويركع، ويبتهل ويتضرع، ويخضع ويخشع، ويبذل ويتبرع، فإذا انقضى رمضان انقلب من رباني إلى حيواني أو شيطاني، فإن من الناس من يجتهدون فيه بأنواع الطاعات، فإذا انقضى رمضان، هجروا القرآن، وتكاسلوا عن الطاعة، وتركوا الصلاة مع الجماعة، وودعوا الصيام والقيام، وأقبلوا على المعاصي والآثام، فهدموا ما بنوا، ونقضوا ما أبرموا، واستدبروا الطاعات بالمعاصي، واستبدلوا الذى هو أدنى بالذى هو خير.

 

وبدلوا نعمة الله كفرا، وصاروا كالتى نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا، وتلك والله هي النكسة المردية، والخسارة الفادحة، ولذلك كان بعض السلف يقولون كن ربانيا ولا تكن رمضانيا، فبعد يومين من رحيل شهر رمضان المبارك كيف حالكم بعد رمضان ؟ فلنقارن بين حالنا في رمضان وحالنا بعد رمضان، فكنا في أيام رمضان فى صلاة، وقيام وتلاوة وصيام وذ كر ودعاء وصدقه وإحسان وصلة أرحام، فذقنا حلاوة الإيمان وعرفنا حقيقه الصيام, وذقنا لذه الدمعه, وحلاوة المناجاة في الأسحار، فكنا نصلي صلاة من جُعلت قرة عينه في الصلاة وكنا نصوم صيام من ذاق حلاوته وعرف طعمه, وكنا ننفق نفقه من لا يخشى الفقر, وكنا وكنا مما كنا نفعله في هذا الشهر المبارك الذي رحل عنا وهكذا، كنا نتقلب في أعمال الخير وأبوابه حتى قال قائلنا ياليتني متّ على هذا الحال، ياليت خاتمتي كانت في رمضان.

 

ولكن رحل رمضان ولم يمضى على رحيله إلا يومين ولربما عاد تارك الصلاة لتركه، وآكل الربا لأكله, ومشاهد الفحش لفحشه, وشارب الدخان لشربه، فنحن لا نقول أن نكون كما كنا في رمضان من الأجتهاد، ولكن نقول لا للإنقطاع عن الأعمال الصالحة, فلنحيا على الصيام والقيام والصدقة ولو القليل، ولكن يجب علينا أن نقول ماذا أستفدنا من رمضان ؟ فها نحن ودعنا رمضان المبارك ونهاره الجميل ولياليه العطره، وها نحن ودعنا شهر القرآن والتقوى، وشهر الصبر والجهاد والرحمة والمغفرة والعتق من النار، فماذا جنينا من ثماره اليانعة وظلاله الوارقه ؟ فهل تحققنا بالتقوى وتخرجنا من مدرسه رمضان بشهادة المتقين ؟ وهل تعلمنا فيه الصبر والمصابرة على الطاعة وعن المعصية ؟ وهل ربينا فيه أنفسنا على الجهاد بأنواعه ؟ وهل جاهدنا أنفسنا وشهواتنا وانتصرنا عليها ؟ وهل غلبتنا العادات والتقاليد السيئة ؟

 

وهل وهل وهل؟ فهى أسئلة كثيرة وخواطر عديدة تتداعى على قلب كل مُسلم صادق، يسأل نفسه ويجيبها بصدق وصراحة، ماذا استفدت من رمضان ؟ فأنه مدرسة إيمانية، وإنه محطة روحيه للتزود منه لبقية العام، ولشحذ الهمم بقيه الغمر، فمتى يتعظ ويعتبر ويستفيد ويتغير ويُغير من حياته من لم يفعل ذلك فى رمضان ؟ فإنه بحق مدرسة للتغيير، نغير فيه من أعمالنا وسلوكنا وعاداتنا وأخلاقنا المخالفة لشرع الله عز وجل، فيقول تعالى ” إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم”وإياكم ثم إياكم من نقض الغزل بعد غزله، وإياكم والرجوع الى المعاصي والفسق والمجون, وترك الطاعات والأعمال الصالحة بعد رمضان، فبئس القوم الذين لا يعرفون الله إلا في رمضان، فقد أمرنا الله عز وجل بالمداومه على العباده والطاعه فقال “واعبد ربك حتى يأتيك اليقين”

 

وهكذا يجب أن يكون العبد مستمر على طاعة الله, ثابت على شرعه, مستقيم على دينه, لا يراوغ روغان الثعالب, فيعبد الله في شهر دون شهر, أو في مكان دون آخر, لا وألف لا، بل يعلم أن رب رمضان هو رب بقية الشهور والأيام، فقال تعالى فى سورة هود” فاستقم كما أمرت ومن تاب معك” وقال تعالى فى سورة فصلت” فاستقيموا إليه واستغفروه” والآن بعد أنتهاء صيام رمضان فهناك صيام النوافل كالست من شوال, والاثنين والخميس، وعاشوراء، وعرفه، وغيرها، وبعد أنتهاء قيام رمضان, فقيام الليل مشروع في كل ليله وهو سنة مؤكدة حث النبي صلى الله عليه وسلم على أدائها بقوله ” عليكم بقيام الليل فإنه دأب الصالحين قبلكم، ومقربة إلى ربكم، ومكفرة للسيئات، ومنهاة عن الإثم مطردة للداء عن الجسد ” رواه الترمذى وأحمد، وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال” أفضل الصلاة بعد المكتوبة قيام الليل ”

 

وقد حافظ النبي صلى الله عليه وسلم على قيام الليل، ولم يتركه سفرا ولا حضرا، وقام صلى الله عليه وسلم وهو سيد ولد آدم المغفور له ما تقدم من ذنبه وما تأخر حتى تفطرت قدماه ، فقيل له في ذلك فقال ” أفلا أكون عبدا شكورا” رواه البخارى ومسلم، وقال الحسن ما نعلم عملا أشد من مكابدة الليل، ونفقة المال، فقيل له ما بال المتهجدين من أحسن الناس وجوها ؟ قال لأنهم خلو بالرحمن فألبسهم نورا من نوره، فإذا أراد المسلم أن يكون مما ينال شرف مناجاة الله تعالى، والأنس بذكره في ظلم الليل، فليحذر الذنوب، فإنه لا يُوفق لقيام الليل من تلطخ بأدران المعاصي، فقال رجل لإبراهيم بن أدهم إني لا أقدر على قيام الليل فصف لي دواء ؟ فقال لا تعصه بالنهار ، وهو يُقيمك بين يديه في الليل، فإن وقوفك بين يديه في الليل من أعظم الشرف، والعاصي لا يستحق ذلك الشرف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى