مقال

الدكروري يكتب عن التاجر المسلم الصدوق ” جزء 1″

جريدة الأضواء

الدكروري يكتب عن التاجر المسلم الصدوق ” جزء 1″

بقلم / محمــــد الدكــــروري

 

إن التاجر المسلم هو الذي يقدّم أمر الله تعالى على تجارته وربحه، ولا يساوم على دينه وقيمه مهما كلفه ذلك، بل لا يرضى أن يكون الله تعالى وأوامره في آخر اهتماماته، وهو الذي يتحرى ألا يُدخل على نفسه الحرام مهما كان، ولا يأكل أموال الناس بالباطل، ملتزما بنهي ربه عز وجل، فقد حثت الشريعة على العمل ورغّبت فيه فعن المقدام رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال “ما أكل أحد طعاما قط خيرا من أن يأكل من عمل يده، وإن نبيّ الله داود عليه السلام كان يأكل من عمل يده” وذلك لأن في العمل التعفف عن ذلة السؤال والاحتياج إلي الغير، وتعتبر التجارة من أهم أبواب الكسب ومصادر تحصيل الرزق، وقال قتادة “التجارة رزق من رزق الله، وحلال من حلال الله لمن طلبها بصدقها وبرها” وقد عدّ النبي صلى الله عليه وسلم كسب التجارة من أطيب المكاسب ففي الحديث عن رافع بن خديج قال.

 

” قيل يا رسول الله، أي الكسب أطيب؟ قال كسب الرجل بيده، وكل بيع مبرور” وعن علي بن الفضيل قال “سمعت أبي وهو يقول لابن المبارك أنت تأمرنا بالزهد، ونراك تأتي بالبضائع من بلاد خراسان إلى البلد الحرام، كيف ذا؟ فقال ابن المبارك يا أبا علي، إنما أفعل ذا لأصون به وجهي، وأكرم به عرضي، وأستعين به على طاعة ربي، لا أرى لله حقا إلا سارعت إليه حتى أقوم به” وإنه من الأمور التي ينبغي على التجار الإلمام بها فقه المعاملات التجارية لأن الشريعة ليست عقائد وعبادات فقط، بل هي معاملات أيضا، والمسلم مطالب بأن يحصل الضروري من فقه العبادات والمعاملات، أي المقدار الذي تصح به عباداته ومعاملاته، فالعبادات لها أركانها وشروطها التي لا تصح إلا بها، وكذلكم المعاملات التجارية من البيع والشراء وغيرها، فهي أيضا لها أركانها وشروطها التي لا تصح إلا بها.

 

وإلا وقع المسلم في المحظور ولهذا كان عمر رضي الله عنه يقول “لا يبع في سوقنا إلا من قد تفقه في الدين” ومن ليس بفقيه في هذا الباب، فعليه أن يسأل من هو أفقه منه فالله تعالى يقول كما جاء في سورة النحل ” فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون” وقد كان التجار في القديم إذا سافروا، استصحبوا معهم فقيها يرجعون إليه وذلك حتى تكون معاملاتهم وفق ما أقرته الشريعة وجاءت به، وإن من أبرز الأخلاق التي ينبغي على التاجر المسلم أن يتحلى بها هو الصدق والأمانة، ويظهر ذلك من خلال صدقه في وعوده، ووفائه بها، وصدقه في قوله ووصفه لسلعته، وصدقه في بيان مقدار ربحه إن أظهر ذلك، وأما أمانته فتظهر من خلال عدم خيانته وخديعته لمن يتعامل معه، بل إنه يبذل له النصح، ويوجهه إلى الخير الذي يحبه لنفسه، والتاجر الصدوق الأمين يحظى بفضل الله وكرامته في الدنيا والآخرة.

 

كما أخبرنا بذلك الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم بقوله “التاجر الصدوق الأمين مع النبيين والصديقين والشهداء” وليعلم أولئك الذين يتنكبون طريق الصدق والأمانة وتقوى الله تعالى في تجارتهم وتعاملاتهم بأنهم سيحشرون يوم القيامة فجّارا، فقد خرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى المُصلى يوما فرأى الناس يتبايعون، فقال “يا معشر التجار” فاستجابوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ورفعوا أعناقهم وأبصارهم إليه، فقال “إن التجار يبعثون يوم القيامة فجّارا، إلا من اتقى الله، وبرّ، وصدق” وكما أن من الأخلاق هو الابتعاد عن الشبهات وذلك بأن يتحرى التاجر صحة معاملاته وموافقتها لشرع الله، ويبتعد عما يشتبه فيه منها، فلا يسعى للبحث عن المخارج والرّخص، والآراء الشاذة ليصحح معاملة قام بها، أو ليبرر ربحا جاء من تعامل فيه شبهة حرام أو ربا، فقد أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم بأن نبتعد عن الشبهات.

 

فقال صلى الله عليه وسلم ” دع ما يريبك إلى ما لا يريبك فإن الصدق طمأنينة، وإن الكذب ريبة” كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بأن الذي يقع في الشبهات ويستخف بشأنها يؤدي به ذلك للوقوع في الحرام، حيث قال صلى الله عليه وسلم “إن الحلال بيّن، وإن الحرام بيّن، وبينهما مشتبهات، لا يعلمهن كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات، استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات، وقع في الحرام” وكما أيضا من الأخلاق هو الإكثار من الصدقات، وعدم الاكتفاء بالفريضة وذلك لأن أكثر التجّار يقعون أثناء تعاملهم وتجارتهم في اللغو والحلف والشبهات، خصوصا في زماننا هذا، حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم “يا معشر التجار، إن البيع يحضره اللغو والحلف، فشُوبوه بالصدقة” وكذلك التبكير في طلب الرزق، فالرزق في البكور، والتاجر الذي يتأخر في الذهاب إلى تجارته يفوته خير كثير.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى