مقال

الدكروري يكتب عن العمل أساس الحياة ” جزء 2″

جريدة الأضواء

الدكروري يكتب عن العمل أساس الحياة ” جزء 2″

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

فذكر الله لنا قصة طالوت عليه السلام، ومصداق ذلك في كتاب الله تعالى، ما كان من إعطائه سبحانه القيادة لطالوت عليه السلام، وقد علل ذلك صراحة بأنه سبحانه زاده بسطة في العلم والجسم، وليس يخفى على أحد أن المقصود بالعلم هنا ليس هو العلم الشرعي فقط، وإنما أيضا العلم بأمور الحرب والقيادة والإدارة، وغير ذلك مما يلزم القائد العسكري من معارف وعلوم وتصديق ذلك أنه كان من الممكن أن تعطى هذه القيادة للنبي ذاته، والذي هو أعظم الناس بلا شك تفوقا في مجال العلم الشرعي، وهو يوحى إليه، لكن النبي لم يقد الجيش في المعركة، وكذلك لما ولى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصحابي الجليل عمرو بن العاص رضي الله عنه إمارة سرية ذات السلاسل، ووضع تحت إمرته عظماء الصحابة وسابقيه إلى الإسلام فإنه لم يفعل ذلك لأنه كان يرى أن عمرو بن العاص أكثر منهم علما بأمور الشرع والدين.

 

وإنما لأنه صلى الله عليه وسلم كان يرى أنه أعلمهم بأمور الحرب، وفنون القتال والنزال والمناورة، وهو الذي لم يكن قد مضى على إسلامه بعد أكثر من خمسة شهور فقط، ومن ثم تجده صلى الله عليه وسلم وقد قال في وضوح “لقد وليته لأنه أبصر بالحرب” وتتجلى قمت الإتقان والتخطيط العسكري في حفر النبي صلى الله عليه وسلم للخندق هو وأصحابه الكرام حتى أن ذلك الجيش الجرار المؤلف من قبائل العرب ولديهم أحنك القواد واشجع الفرسان لم يستطيعوا أن يجدوا فيه ثغرة واحدة،إنه الإتقان، وإن من دروب الإتقان هو إتقان التصنيف والتأليف، حيث قال أبو عبيد كنت في تصنيف هذا الكتاب وهو كتاب غريب الحديث، أربعين سنة، وربما كنت أستفيد الفائدة من أفواه الرجال فأضعها في الكتاب، فأبيت ساهرا فرحا مني بتلك الفائدة، وأحدكم يجيء فيقيم عندي أربعة أشهر، خمسة أشهر، فيقول قد أقمت الكثير.

 

وكذلك الإمام أحمد بإتقانه للمسند قال عنه ابن الجوزي أنه طاف أحمد بن حنبل الدنيا مرتين حتى جمع المسند، وابن عبد البر مكث ثلاثين سنة في تأليف كتابه التمهيد، ولذا جاء على هذا الوضع من الإتقان والتحرير والدقة، ألا تبا ليد مترفة ونفس رخوة وعين سبّاقة إلى الشهوات ولسان طليق في الشبهات، لا يحسن إلا خبرة ضياع الأوقات في الحسرات، ومجالات هؤلاء البطالين هي المقاهي والنوادي واللعب ووسائل الاتصال التي تضيّع الأعمار سدى بغير طائل مع نفاد المال وإنفاقه في توافه الأمور، ومن فقد مضمار العمل فقد قيمة وجوده، ومن ثم يدخل في نفق التسول ومد يد الفقر ولسان طلب العطف من الناس، وصلى الله وسلم على نبينا الكريم الذي كان يكره للعبد سؤال الناس ما دام قادرا على العمل ويجعل المسألة بلا عمل ضربا من الندم فعن عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال.

 

“ما يزال الرجل يسأل الناس، حتى يأتي يوم القيامة ليس في وجهه مُزعة لحم” رواه البخاري، فماذا يقول من حرفته التسول التي زادت فنونها وكثر بين الناس طالبوها ومحترفوها وتنوعت قصص المتسولين بين المعقول وضروب الخيال؟ حتى غدا التسول قاسما مشتركا في حياتنا بين القطار والحافلة والسيارة الخاصة وقارعة الطريق وعلى أبواب المدارس والمساجد والمقاهي والحدائق والمطاعم والأسواق وغيرها، أفواج جديدة تدخل سوق التسول كل يوم كأننا شعب لا عمل لنا، ومن العجب الشديد أن يكون التسول ونبذ العمل حرفة لها مهاراتها، وعلى الحقيقة فنحن في شدة الافتقار إلى العمل والعرق والتنمية، وتعم البلوى وتكثر السخيمة وقلة القيمة خصوصا عند المتخرجين حديثا من الشباب والذي يختصر أحدهم حياته من بطالة قلبه في النوم إلى ما بعد العصر ثم يقوم بعد تثاؤب طويل إلى طعامه وغثائيته واستهلاكه.

 

وربما يغرق في بحور المخدرات والموبقات من سرقة وسطو وزنا وقطع طريق وبلطجة مخيفة للناس لأنه لا يحمل رسالة في حياته يعيش لها وعنده وقت الفراغ الذي يجب إنفاقه في عمل صالح والعيب ليس في تربيته فقط بل العيب فيمن يمده بالمال السهل ويجيب مطالبه ورغائبه، وهل ينتظر من أمثال هؤلاء المتسكعين في بلادنا أن يصنعوا حضارة أو يدفعوا قطار التنمية؟ وإن اليد السفلى قد كثرت في أوطاننا ويجب تحفيزها على الدوام لتكون عليا بالعطاء والعرق والعمل، فعن عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما “أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال، وهو على المنبر، وذكر الصدقة والتعفف والمسألة “اليد العُليا خير من اليد السفلى، فاليد العليا هي المُنفقه، والسفلى هي السائلة” رواه البخاري، وطالب العفاف من ربه بنية صادقة سيغنيه الله بيقينه، وقد جعل النبي الكريم صلى الله عليه وسلم البديل للفقر والعوز في زمانه الشريف هو العمل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى