مقال

الدكروري يكتب عن العمل أساس الحياة ” جزء 5″

جريدة الأضواء

الدكروري يكتب عن العمل أساس الحياة ” جزء 5″

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

ولأن سلوك الإنسان موافق لما هو مستقر في نفسه من معان وصفات، فكل صفة تظهر في القلب يظهر أثرها على الجوارح، فأفعال الإنسان موصولة دائما بما في نفسه من معاني وصفات صلة فروع الشجرة بجذورها الضاربة في باطن الأرض، وعليه يمكن القول إن صلاح أفعال الإنسان مرتبط بصلاح أخلاقه لأن الفرع بأصله فإذا صلح الأصل صلح الفرع، وإذا فسد الأصل فسد الفرع، وتمثل الأخلاق ركنا أساسا في حياة الإنسان فردا وجماعة، وضرورة إنسانية لازمة لحياة المجتمعات، وبدونها يصبح الإنسان ذئبا يعدو على أخيه الإنسان، ولا يمكن عندئذ إقامة حياة اجتماعية سليمة، وللأخلاق في الإسلام مكانة عظيمة جدا فهي جوهر الإسلام وروحه السارية في جميع جوانبه، وهي أحد أقسام الأحكام الشرعية الثلاثة التي شرعها الله لعباده المسلمين، ولهذه المكانة العظيمة دلائل كثيرة.

 

وكما عني الإسلام بالأخلاق عموما، فقد عني أيضا بأخلاق العمل خصوصا، وإن الأخلاق كما عرفها ابن القيم بأنها هيئة مركبة من علوم صادقة وإرادات زاكية، وأعمال ظاهرة وباطنة موافقة للعدل والحكمة والمصلحة، وأقوال مطابقة للحق، وتصدر تلك الأقوال والأعمال عن تلك العلوم والإرادات، فتكسب النفس بها أخلاقا هي أزكى الأخلاق وأشرفها وأفضلها، ووكذلك فإن العمل هو كل نشاط جسمي أو عقلي يقوم به الإنسان بهدف الإنتاج في مؤسسة حكومية كانت أو خاصة، أو في حرفة أو مهنة، والعمل بهذا المفهوم الشمولي لفظ واسع الدلالة، تدخل فيه مفاهيم ألفاظ كثيرة، هي الوظيفة، والحرفة، والمهنة، فالوظيفة هي العمل الذي يقوم به الموظف في القِطاع الحكومي أو الخاص الذي ينتمي إليه في مجالات العمل الكتابي أو العمل الإداري ونحوه، والحرفة هي العمل اليدوي والبدني الذي يمارسه الحرفي في الورشة.

 

أو المصنع أو الخدمة في البيوت ونحوها، وليس بالضرورة أن يكون إتقان مهارات هذا العمل الحرفي عن طريق الدراسة النظرية المكثفة، بل يمكن اكتساب ذلك عن طريق تكرار المشاهدة والتجربة، وأما المهنة فهي عمل يشغله العامل بعد أن يتلقى دراسة نظرية كافية وتدريبا عمليا طويلا في مراكز علمية أو معاهد وجامعات متخصصة، فالمهنة تتطلب مجموعة من المهارات والمعارف النظرية والقواعد التي تنظم العمل بها، كمهنة الطب والهندسة والتعليم، وبناء على ما تقدم يمكن القول بأن كل وظيفة عمل، وكل حرفة عمل، وكل مهنة عمل، وإن أخلاق العمل يُراد بها مجموعة المبادئ والمُثل والقيم الفاضلة التي حث الإسلام على تمثلها والالتزام بها في أداء العمل، وإن للعمل في الإسلام مكانة كبيرة ومنزلة رفيعة حيث ينظر الإسلام إليه نظرة احترام وتكريم وإجلال، ولذلك مظاهر كثيرة في دين الله.

 

أبرزها هو أن الإسلام قرن العمل بالجهاد وهذا في قوله سبحانه وتعالي كما جاء في سورة المزمل ” وآخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله وآخرون يقاتلون في سبيل الله” كما أنه اعتبر العمل جهادا، فقد رُوي أن بعض الصحابة رأوا شابا قويا يُسرع إلى عمله، فقالوا لو كان هذا في سبيل الله، فرد عليهم النبي صلى الله عليه وسلم بقوله “لا تقولوا هذا فإنه إن كان خرج يسعى على ولده صغارا فهو في سبيل الله، وإن كان خرج يسعى على أبوين شيخين كبيرين فهو في سبيل الله، وإن كان خرج يسعى على نفسه يعفها فهو في سبيل الله، وإن كان خرج رياء ومفاخرة فهو في سبيل الشيطان” بل إن عمر بن الخطاب رضي الله عنه يفضل العمل والكسب على الجهاد حيث يقول “لأن أموت بين شعبتي رحلي أضرب في الأرض أبتغي من فضل الله أحب إليّ من أن أقتل مُجاهدا في سبيل الله لأن الله تعالى.

 

قدم الذين يضربون في الأرض يبتغون من فضله على المجاهدين” وأن الإسلام جعل الإرهاق والإجهاد من العمل من مُكفرات الخطايا والذنوب، فيقول النبي صلى الله عليه وسلم “مَن أمسى كالا من عمل يده أمسى مغفورا له” لذلك كله حث الإسلام على العمل والسعي في طلَب الرزق، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم “ما أكل أحد طعاما قط خيرا من أن يأكل من عمل يده” ويقول أيضا “إن قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فإن استطاع ألا يقوم حتى يغرسها فليفعل” وقد فقه صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك، فاجتهدوا في العمل لكسب الرزق حيث رُوي أن أبا بكر كان بزازا، وكان عمر بن الخطاب يعمل بالأدم الجلد، وكان عثمان بن عفان يعمل بالتجارة، وقد أجر علي بن أبي طالب نفسه أكثر من مرة ليكسب قوت يومه،وكان عبدالرحمن بن عوف يعمل في البز، وكذا طلحة بن عبيدالله، وكان الزبير بن العوام وعمرو بن العاص خرازين، وعمل خبّاب بن الأرت حدادا، وقام سعد بن أبي وقاص بصنع النبال، وعمل عثمان بن طلحة خيّاطا، وغيرهم كثير من الصحابة، وكذا التابعين رضي الله عنهم ورحمهم أجمعين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى