مقال

الدكروري يكتب عن العمل والأخلاق الإسلامية ” جزء 3″

جريدة الأضواء

الدكروري يكتب عن العمل والأخلاق الإسلامية ” جزء 3″

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

وقد جعل صلى الله عليه وسلم من علامات الساعة إسناد العمل إلى من ليس له بأهل حيث قال حينما سُئل متى الساعة؟ “إذا وُسّد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة” وقد راعى النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام هذا الأمر، فيما يخص الولايات والمسؤوليات، فوضعوا كل عامل في مكانه المناسب، ومن ذلك على سبيل المثال أن النبي صلى الله عليه وسلم اختار معاذ بن جبل رضي الله عنه ليوليه القضاء في اليمن لفقهه ورجاحة عقله، واختار مصعب بن عمير رضي الله عنه ليكون داعية الإسلام في المدينة لحكمته وعلمه وحسن أسلوبه، واختار عمر بن الخطاب رضي الله عنه عاملا على الصدقات لحزمه وعدله، واختار خالد بن الوليد رضي الله عنه قائدا للجيش لمهارته وحنكته العسكرية، واختار بلالا رضي الله عنه لبيت المال، لزهده وتقواه وحسن تدبِيره، واختار أبو بكر الصديق رضي الله عنه.

 

زيد بن ثابت رضي الله عنه لمهمة جمع القرآن لعلمه وقوة حفظه، فيجب أن يكون معيار اختيار العامل وتوظيفه هو أهليته لهذا العمل، لا قرابته من المسؤول أو صداقته، أو وجود مصلحة شخصية في اختياره وتقديمه على غيره، أو نحو ذلك من المعايير الزائفة، وإن الأمة التي تشيع فيها المحاباة والوساطات، وتعبث فيها المصالح الشخصية بالمصالح العُليا لها، فتَتجاهل أقدار الأكفاء وتهملهم وتقدم عليهم من دونهم لا شك أن ذلك سيولد لديها اضطرابا، ويوجد عندها ضعفا وعجزا يدب في أوصالها ومختلف مؤسساتها، ويعيق تقدمها ونمو اقتصادها ويضعها في آخر الركب بين الأمم، وإن من مزايا دين الإسلام أنه لا يكلف بأمر يشق على الناس القيام به فيقول تعالى في سورة البقرة ” لا يكلف الله نفسا إلا وسعها” كما يقول تعالي فس سورة الطلاق” لا يكلف الله نفسا إلا ما آتاها”

 

كما قال تعالي في سورة البقرة ” يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر” وينبغي من هذا المنطلق ألا يكلف العامل بعمل يؤدي قيامه به إلى هلاكه أو إلحاق الضرر به، فضلا عما يشق عليه القيام به، وقد أكد النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك فقال “إن إخوانكم خولكم جعلهم الله تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يده، فليطعمه مما يأكل، وليلبسه مما يلبس، ولا تكلفوهم ما يغلبهم، فإن كلفتموهم ما يغلبهم فأعينوهم” ويقول ابن حجر رحمه الله في تعليقه على الحديث”ويلتحق بالرقيق من في معناه من أجير وغيره” وكما أن من المبادئ والقيم الخلقية التي ينبغي الالتزام بها في طبيعة العمل الحرص على أداء الواجبات قبل المطالبة بالحقوق، فهذا ما ينبغي أن يكون عليه خُلق المسلم في علاقته ببني جنسه، سواء كان عاملا أم رب عمل أم أي طرف من أطراف عقد العمل، فيبدأ أولا بأداء ما عليه من واجبات، ثم يطالب بعد ذلك بحقوقه المشروعة.

 

ذلك أن الواجب الذي يؤديه أي طرف من أطراف العقد هو في الحقيقة حق للطرف الآخر، ولو التزم أطراف العقد بهذا المبدأ الخلقي زالت أسباب الخلاف والنزاع بينهم، وسادت روح التعاون والإخاء في أجواء العمل، مما سيكون له الأثر الإيجابي الفاعل في سرعة إنجاز العمل وكميته وجودته، ولقد أكد النبي الكريم صلى الله عليه وسلم على هذا المبدأ الخلقي في تقريره حقوق الله تعالي وحقوق عباده، حيث صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال لمعاذ بن جبل رضي الله عنه “يا معاذ، أتدري ما حق الله على العباد؟ قال الله ورسوله أعلم، قال “أن يُعبد الله ولا يُشرك به شيء” قال “أتدري ما حقهم عليه إذا فعلوا ذلك؟” فقال الله ورسوله أعلم، قال “ألا يعذبهم” ولقد جاء الإسلام بكثير من القيم الخلقية التي ينبغي على العامل أن يلتزم بها ويحرص عليها في أداء عمله، بغض النظر عن نوع الوظيفة أو الحرفة.

 

أو المهنة التي يزاولها، بحسبان هذه القيم صفات أخلاقية ومبادئ إسلامية واجبة على كل مسلم مهما كان موقعه من العمل الذي يمارسه، ولعل من أبرز هذه القيم هي القوة وهي نقيض الضعف، وتستخدم تارة بمعنى القدرة كما في قوله عز وجل ” خذوا ما آتيناكم بقوة” وتارة أخرى بمعنى التهيؤ الموجود في الشيء، نحو أن يُقال النوى بالقوة نخل، أي متهيئ ومترشح أن يكون منه ذلك، وهذه القدرة تكون في البدن، وهي قوة حسية كما في قوله تعالى في سورة فصلت ” وقالوا من أشد منا قوة” وتكون أيضا في القلب وهي قوة معنوية، كما في قوله تعالى ” يا يحيي خذ الكتاب بقوة” أي تعلم الكتاب بجد وحرص واجتهاد، وكما ينبغي أن يتصف العامل بصفة القوة الحسية والمعنوية ليكون مؤهلا للعمل الذي يقوم به، وذلك بأن يتخذ جميع الوسائل والأساليب المشروعة التي تجعله قويا في بدنه وجاهزيته للعمل وقويا في جده واجتهاده.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى