مقال

الدكروري يكتب عن الإمام الشنقيطي ” جزء 2″

جريدة الأضواء

الدكروري يكتب عن الإمام الشنقيطي ” جزء 2″

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

والسيرة على زوجة خاله قال الشيخ رحمه الله أخذت عنها مبادئ النحو ودروس واسعة في أنساب العرب وأيامهم ونظم الغزوات لأحمد البدوي الشنقيطي وغيرها، ثم درس بقية العلوم على جمع من العلماء، وقال الشيخ لما حفظت القرآن وأخذت الرسم العثماني وتفوقت فيه على الأقران عنيت بي والدتي وأخوالي أشد عناية وعزموا على توجيهي للدراسة في بقية الفنون فجهزتني والدتي بجملين أحدهما عليه مركبي وكتبي والآخر عليه نفقتي وزادي وصحبني خادم ومعه بقرات وقد هيئت لي مركبي كأحسن ما يكن المركب وملابس كأحسن ما تكون فرحا بي وترغيبا لي في طلب العلم، وقال الشيخ عطية حدثني الشيخ رحمه الله فقال جئت للشيخ في قراءتي عليه فشرح لي كما كان يشرح ولكنه لم يشف ما في نفسي على ما تعودت ولم يرولي ظمئي، وقمت من عنده وأنا أجدني في حاجة إلى إزالة بعض اللبس.

 

وإيضاح بعض المشاكل وكان الوقت ظهرا فأخذت الكتب والمراجع فطالعت حتى العصر فلم أفرغ حتى المغرب فأوقد لي خادمي النار وكنت أشرب الشاهي الأخضر كلما كسلت حتى انبثق الفجر وأنا في مجلسي لم أقم إلا لصلاة أو تناول طعام حتى فرغت من درسي وزال اللبس عني، وقال الشيخ عطية رحمه الله سألت الشيخ عن تركه الشعر مع قدرته عليه وإجادته فقال رحمه الله لم أره من صفات الأفاضل وخشيت أن أشتهر به، والشعر أكذبه أعذبه فلم أكثر منه، وكان الشيخ رحمه الله يتورع عن الفتوى إلا في شيء فيه نص من كتاب أو سنة، قال ابنه الشيخ عبد الله جاءه وفد من الكويت في أواخر حياته فسألوه في مسائل فقال أجيبكم بكتاب الله، ثم جلس مستوفزا وقال الله أعلم “ولا تقف ما ليس لك به علم ” لا أعلم فيها عن الله ولا عن رسوله صلى الله عليه وسلم شيئا، وكلام الناس لا أضعه في ذمتي فلما ألحوا عليه قال فلان قال كذا وفلان قال كذا.

 

وأنا لا أقول شيئا، وقال الشيخ عطية وسألته عن تركه للفتوى فقال يجب التحفظ فيما ليس فيه نص قاطع من كتاب الله أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ومن بين أعماله التي تولاها في بلاده التدريس والفتيا ولكنه اشتهر بالقضاء وبالفراسة فيه ورغم وجود الحاكم الفرنسي إلا أن المواطنين كانوا عظيمي الثقة فيه فيأتونه للقضاء بينهم من أماكن بعيده، وكان يقضي في كل شيء إلا الدماء والحدود وكان لها قاض خاص، وخرج من بلاده لأداء فريضة الحج برا بنية العودة فقد كان في بلاده يسمع عن الوهابية وكان من فضل الله ومنته علينا وعليه أن قدم الحج ونزل بدون علمه بجوار خيمة الأمير خالد السديري دون أن يعرف أحدهما الآخر وكان الأمير خالد يبحث مع جلسائه بيتا في الأدب وهو ذواقة أديب إلى أن سألوا الشيخ فوجدوا بحرا لا ساحل له، فكانت تلك الجلسة بداية منطلق لفكرة جديدة.

 

فأوصاه الأمير إن قدم المدينة أن يلتقي بالشيخ عبد الله بن زاحم وعبد العزيز بن صالح، وفي المدينة التقى بهما وتباحث معهما ما سمع عن الوهابية وكان صريحا فيما عرض عليهما مما سمع عن البلاد فدارت بينهم جلسات، وكان أكثرهما مباحثة معه فضيلة الشيخ عبد العزيز بن صالح، حتى اقتنع الشيخ بأن منهج المجدد الإمام محمد بن عبد الوهاب منهج ذو سلف وأنه منهج سليم العقيدة يعتمد الكتاب والسنة وعليه سلف الأمة ثم رغب في البقاء في المسجد النبوي لتدريس التفسير، ودرس عليه الشيخ عبد العزيز بن صالح الصرف، وكما اختير للتدريس في المعهد العلمي بالرياض عند افتتاحه فكان يدرس في الرياض ويقضي إجازته في التدريس بالمسجد النبوي، ثم كان له دور في تأسيس الجامعة الإسلامية في المدينة، ثم عين كأحد أعضاء هيئة كبار العلماء عند بداية تشكيلها وكان عضوا في المجلس التأسيسي لرابطة العالم الإسلامي.

 

ويقول الشيخ حمود رحمه الله، درست على الشيخ في الكلية وفي البيت وأما في البيت فكانت لي دراسة يومية معه في الأصول والمنطق وكانت في المنطق سلم الأخضري وشرحه وفي الأصول روضة الناظر، وأتممتها على الشيخ رحمه الله وكانت دراستي لها دراسة جيدة، وكانت الدراسة لوحدي بعد المغرب، وأذكر أنني لما تخرجت من الكلية عينت قاضيا في وادي الدواسر فذهب الشيخ الشنقيطي للشيخ محمد بن إبراهيم وقال له هذا لا يمكن أن يعين في القضاء بل في التدريس لما يظهر منه من أهلية لهذا وبروز في التدريس، والشيخ محمد بن إبراهيم إذا عين أحد في القضاء لا يمكن أن يتراجع أبدا مهما حصل، ولكنه كان يجل الشيخ الشنقيطي ويحترمه جدا، وكان علم الشيخ الشنقيطي غزيرا جدا خاصة في الأصول والمنطق والتفسير والتأريخ واللغة والأدب وكان منقطع النظير في هذه ويجمع لها غيرها.

 

فسألته رحمه الله ولماذا هذه العناية بالدراسة على الشيخ الشنقيطي بالذات؟ فقال الشيخ محمد هو شيخي وإمامي في كل شيء، وكان من خيرة العلماء علما وورعا وزهدا رحمه الله وغفر له وكان يعاملني مثل أولادة ويعتبرني ولدا له، وتوفي الإمام الشنقيطي بمكة بعد أدائه لفريضة الحج في ضحي يوم الخميس السابع عشر من شهر ذي الحجة سنة ثلاث وتسعين وثلاثمائة وألف من الهجرة، الموافق العاشر من شهر يناير لعام ألف وتسعمائة وأربع وسبعين ميلادي، وصلي عليه بالمسجد الحرام، وصلى عليه سماحة الإمام عبد العزيز ابن باز رحمه الله، ودُفن بمقبرة المعلاة بمكة، وصُلي عليه صلاة الغائب بالمسجد النبوي الشريف، وقال الشيخ أحمد بن أحمد الشنقيطي وهو الذي قام بتغسيل الشيخ من الغريب أن أحد أقاربه حاجا معه في سيارته فرأى ليلة جمع أن الرسول صلى الله عليه وسلم توفي.

 

وأنه جاءه فوجده مسجى عليه ثوب، فرفع الثوب، فوجد أن الميت نبي ولكنه ليس محمدا صلى الله عليه وسلم فقبله في جبينه فلما حكى الرؤيا على الشيخ، سأله وما يدريك أنه ليس بمحمد؟ قال لم تتوفر فيه الصفات الثابتة بالسنة التي نعرفها، فتكدر وجه الشيخ، فقال الرجل أظنه أضغاث أحلام، فقال الشيخ لا، بل هي رؤيا، ولكن يقضي الله خيرا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى