مقال

الدكروري يكتب عن الإمام الهروي ” جزء 3″

جريدة الأضواء

الدكروري يكتب عن الإمام الهروي ” جزء 3″

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

قال فلما قربت من الري كان معي رجل في الطريق من أهلها فسألني عن مذهبي فقلت حنبلي فقال مذهب ما سمعت به وهذه بدعة وأخذ بثوبي وقال لا أفارقك إلى الشيخ أبي حاتم، فقلت خيرة، فذهب بي إلى داره وكان له ذلك اليوم مجلس عظيم فقال هذا سألته عن مذهبه، فذكر مذهبا لم أسمع به قط قال وما قال ؟ فقال قال أنا حنبلي فقال دعه فكل من لم يكن حنبليا، فليس بمسلم فقلت في نفسي الرجل كما وصف لي ولزمته أياما وانصرفت، وكما قال شيخ الإسلام في كتابه ذم الكلام، في أوله عقيب حديث اليوم أكملت لكم دينكم ونزولها بعرفة سمعت أحمد بن الحسن بن محمد البزاز الفقيه الحنبلي الرازي في داره بالري يقول كل ما أحدث بعد نزول هذه الأية فهو فضلة وزيادة وبدعة، قلت قد كان أبو حاتم أحمد بن الحسن بن خاموش صاحب سنة واتباع وفيه يبس وزعارة العجم وما قاله فمحل نظر.

 

ولقد بالغ أبو إسماعيل في كتاب ذم الكلام على الاتباع فأجاد ولكنه له نفس عجيب لا يشبه نفس أئمة السلف في كتابه منازل السائرين، ففيه أشياء مطربة وفيه أشياء مشكلة ومن تأمله لاح له ما أشرت إليه والسنة المحمدية صلفة ولا ينهض الذوق والوجد إلا على تأسيس الكتاب والسنة، وقد كان هذا الرجل سيفا مسلولا على المتكلمين له صولة وهيبة واستيلاء على النفوس ببلده يعظمونه ويتغالون فيه ويبذلون أرواحهم فيما يأمر به وكان عندهم أطوع وأرفع من السلطان بكثير، وكان طودا راسيا في السنة لا يتزلزل ولا يلين، لولا ما كدر كتابه الفاروق في الصفات، بذكر أحاديث باطلة يجب بيانها وهتكها والله يغفر له بحسن قصده وصنف الأربعين، في التوحيد وأربعين، في السنة وقد امتحن مرات وأوذي ونفي من بلده، وقال ابن طاهر سمعته يقول عرضت على السيف خمس مرات لا يقال لي ارجع عن مذهبك لكن يقال لي اسكت عمن خالفك.

 

فأقول لا أسكت، وسمعته يقول أحفظ اثني عشر ألف حديث أسردها سردا، وقال الحافظ أبو النضر الفامي كان شيخ الإسلام أبو إسماعيل بكر الزمان وواسطة عقد المعاني وصورة الإقبال في فنون الفضائل وأنواع المحاسن منها نصرة الدين والسنة من غير مداهنة ولا مراقبة لسلطان ولا وزير، وقد قاسى بذلك قصد الحساد في كل وقت وسعوا في روحه مرارا، وعمدوا إلى إهلاكه أطوارا فوقاه الله شرهم وجعل قصدهم أقوى سبب لارتفاع شأنه، قلت قد انتفع به خلق وجهل آخرون فإن طائفة من صوفة الفلسفة والاتحاد يخضعون لكلامه في كتاب منازل السائرين، وينتحلونه ويزعمون أنه موافقهم كلا، بل هو رجل أثري لهج بإثبات نصوص الصفات منافر للكلام وأهله جدا وفي منازله إشارات إلى المحو والفناء وإنما مراده بذلك الفناء هو الغيبة عن شهود السوى ولم يرد محو السوى في الخارج.

 

ويا ليته لا صنف ذلك فما أحلى تصوف الصحابة والتابعين ما خاضوا في هذه الخطرات والوساوس بل عبدوا الله ، وذلوا له وتوكلوا عليه وهم من خشيته مشفقون ولأعدائه مجاهدون وفي الطاعة مسارعون وعن اللغو معرضون والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم، وقد جمع هذا سيرة للإمام أحمد في مجلد، وكما قال ابن طاهر حكى لي أصحابنا أن السلطان ألب أرسلان قدم هراة ومعه وزيره نظام الملك فاجتمع إليه أئمة الحنفية وأئمة الشافعية للشكوى من الأنصاري ومطالبته بالمناظرة فاستدعاه الوزير، فلما حضر قال إن هؤلاء قد اجتمعوا لمناظرتك، فإن يكن الحق معك رجعوا إلى مذهبك وإن يكن الحق معهم رجعت أو تسكت عنهم، فوثب الأنصاري وقال أناظر على ما في كمي قال وما في كمك ؟ قال كتاب الله، وأشار إلى كمه اليمين وسنة رسول الله وأشار إلى كمه اليسار وكان فيه الصحيحان فنظر الوزير إليهم مستفهما لهم.

 

فلم يكن فيهم من ناظره من هذا الطريق، وسمعت خادمه أحمد بن أميرجه يقول حضرت مع الشيخ للسلام على الوزير نظام الملك وكان أصحابنا كلفوه الخروج إليه وذلك بعد المحنة ورجوعه إلى وطنه من بلخ ويعني أنه كان قد غرب، قال فلما دخل عليه أكرمه وبجله وكان هناك أئمة من الفريقين فاتفقوا على أن يسألوه بين يدي الوزير فقال العلوي الدبوسي يأذن الشيخ الإمام أن أسأل ؟ قال سل، قال لم تلعن أبا الحسن الأشعري ؟ فسكت الشيخ وأطرق الوزير، فلما كان بعد ساعة قال الوزير أجبه، فقال لا أعرف أبا الحسن وإنما ألعن من لم يعتقد أن الله في السماء وأن القرآن في المصحف ويقول إن النبي صلى الله عليه وسلم اليوم ليس بنبي، ثم قام وانصرف فلم يمكن أحدا أن يتكلم من هيبته، فقال الوزير للسائل هذا أردتم أن نسمع ما كان يذكره بهراة بأذاننا، وما عسى أن أفعل به ؟ ثم بعث إليه بصلة وخلع، فلم يقبلها، وسافر من فوره إلى هراة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى