مقال

الدكروري يكتب عن هاني بن قبيصة

جريدة الأضواء

الدكروري يكتب عن هاني بن قبيصة

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

هاني بن قبيصة هو هانئ بن مسعود الشيباني، وهو من سادات العرب وأبطالهم في الجاهلية، وهو الذي قاد العرب في يوم ذي قار، وهو أحد الشجعان الفصحاء في أواخر القرن الجاهلي، كان سيد بني شيبان، وقد أسره وديعة اليربوعي، يوم الغبيطين في الجاهلية، وهو بين تميم وشيبان، وقد ظفرت فيه تميم وأسر هانئ بن قبيصة، وقال جرير حوت هانئا يوم الغبيطين خيلنا، وأدركن بسطاما وهن شوارب، وأقام في الأسر مدة القيض أي الصيف، وقاظ أسيرا هانئ، وكأنما مفارق مفروق تغشين عندما، أو مدة الصيف والربيع، دعا هانئ بكرا، وقد عض هانئيا عرى الكبل فينا الصيف والمتربعا، وافتدى بذلك، رجعن بهانئ، وأصبن بشرا، وبسطاماً تعض به القيود، وقال هانئ بن قبيصة الشيباني يحرض قومه يوم ذي قار”يا معشر بكر، هالك معذور خير من ناج فرور، إن الحذر لا ينجي من القدر.

 

وإن الصبر من أسباب الظفر، المنية ولا الدنية، استقبال الموت خير من استدباره، الطعن في ثغر النحور، أكرم منه في الأعجاز والظهور، يا آل بكر، قاتلوا فما للمنايا بد” وكان من أعظم أيام العرب وأبلغها في توهين أمر الأعاجم، وهو لبني شيبان، وكان أبرويز أغزاهم جيشا فظفر بنو شيبان، وهو أول يوم انتصر فيه العرب من العجم، وجمع ثغرة بالضم وهي نقرة النحر بين الترقوتين والثغرة بالفتح هي كل عورة منفتحة، وقد أدرك هانئ الإسلام ومات بالكوفة، ولم يصح ذلك، وقال المصرفي جاهلي لم يدرك الإسلام، وإنما المتوفى بالكوفة هانئ بن العروة، وأما عن وقعة ذي قار، وهي أنه كان كسرى قد أقطعه “الأبلة” ومنازله مع قومه بني شيبان في بادية ذي قار ولما أحس النعمان بن المنذر “المنعوت بملك العرب” بتغير كسرى عليه، واستدعاه كسرى من الحيرة مقر أمارته للذهاب إلى فارس.

 

بحث عن قبيلة تحمي أهله وسلاحه وماله إن أراده كسرى بسوء، وذهب إلى ذي قار فنزل في بني شيبان سرا، ولقي هانئا فعاهده هذا على أن يمتع ودائعه مما يمنع من أهله، فأودعه أهله وماله وفي ربعمائة درع ثم توجه إلى كسرى فقبض عليه، وأرسله إلى خانقين فمات بالطاعون، وولي مكانه “في الحيرة” إياس بن قبيصة الطائي، وكتب كسرى إلى إياس أن يجمع ما خلفه النعمان ويرسله إليه، فبعث إياس إلى هانئ يأمره بإرسال ما استودعه النعمان، ووفى هانئ بعهده للنعمان فامتنع عن تسليم الودائع، وزحف جيش كسرى يقوده إياس بن قبيصة ومعه مرازبة من الفرس وكثير من قبائل تغلب وإياد وغيرهما، إلا أن إيادا اتصلت ببني شيبان خفية، ووعدتهم بأن لا تقاتل، وكانت المعارك في بطحاء ذي قار، وأخرج هانئ ما عنده من سلاح النعمان ودروعه فوزعه على جموع بكر بن وائل وقد سببت انتصارا لشيبان.

 

وانهزم الفرس ومن معهم، وللشعراء قصائد كثيرة في وصف هذا اليوم، وأما عن تاريخ الوقعة، فإنه يرجح الرواة أنه كان بعد بعثة النبي صلى الله عليه وسلم، وينقل بعض المؤرخين أن هانئ قال يوم الوقعة “يا قوم مهلك مقدور خير من نجاء معرور، الحذر لا يدفع القدر، والصبر من أسباب الظفر، المنيّة ولا الدنيّة، واستقبال الموت خير من استدباره، جدوا فما من الموت بُد، شدوا واستعدوا وإلا تشدوا تردوا” فلما مات استعمل كسرى إياس بن قبيصة الطائي على الحيرة وما كان عليه النعمان، وكان كسرى اجتاز به لماء سار إلى ملك الروم فأهدى له هدية، فشكر ذلك له وأرسل إليه، فبعث كسرى بأن يجمع ما خلفه النعمان ويرسله إليه، فبعث إياس إلى هانئ بن مسعود الشيباني يأمره بإرساله ما استودعه النعمان، فأبى هانئ أن يسلم ما عنده، فلما أبى هانئ غضب كسرى، وعنده النعمان بن زرعة التغلبي.

 

وهو يحب هلاك بكر بن وائل، فقال لكسرى أمهلهم حتى يقيظوا ويتساقطوا على ذي قار تساقط الفراش في النار فتأخذهم كيف شئت فصبر كسرى حتى جاؤوا حنو ذي قار، فأرسل إليهم كسرى النعمان بن زرعة يخيرهم واحدة من ثلاث إما أن يعطوا بأيديهم، وإما أن يتركوا ديارهم، وإما أن يحاربوا، فولوا أمرهم حنظلة بن ثعلبة العجلي، فاشار بالحرب، فآذنوا الملك بالحرب، فأرسل كسرى إياس بن قبيصة الطائي أمير الجيش ومعه مرازبة الفرس والهامرز النسوي وغيره من العرب تغلب وإياد وقيس بن مسعود بن قيس بن ذي الجدين، وكان على طف سفوان، فأرسل الفيول، وكان قد بعث النبي، صلى الله عليه وسلم، فقسم هانئ ابن مسعود دروع النعمان وسلاحه، فلما دنت الفرس من بني شيبان قال هانئ بن مسعود يا معشر بكر، إنه لا طاقة لكم في قتال كسرى فاركنوا إلى الفلاة، فسارع الناس إلى ذلك.

 

فوثب حنظلة بن ثعلبة العجلي وقال يا هانئ أردت نجاءنا فألقيتنا في الهلكة، ورد الناس وقطع وضن الهوادج، وهي الحزم للرحال، فسمي مقطع الوضن، وضرب على نفسه قبة، وأقسم أن لا يفر حتى تقر القبة، فرجع الناس واستقوا ماء لنصف شهر، فأتتهم العجم فقاتلتهم بالحنو، فانهزمت العجم خوفا من العطش إلى الجبابات، فتبعتهم بكر وعجل وأبلت يومئذ بلاء حسنا، واضطمت عليهم جنود العجم، فقال الناس هلكت عجل، ثم حملت بكر فوجدت عجلا تقاتل وامرأة منهم تقول إن يظفروا يحرزوا فينا الغرل إيها فداء لكم بني عجل، فقاتلوهم ذلك اليوم، ومالت العجم إلى بطحاء ذي قار خوفا من العطش، فأرسلت إياد إلى بكر، وكانوا مع الفرس، وقالوا لهم إن شئتم هربنا الليلة وإن شئتم أقمنا ونفر حين تلاقون الناس، فقالوا بل تقيمون وتنهزمون إذا التقينا، وقال زيد بن حسان السكوني، وكان حليفا لبني شيبان أطيعوني واكنوا لهم.

 

ففعلوا ثم تقاتلوا وحرض بعضهم بعضا، وقالت ابنة القرين الشيبانية، ويها بني شيبان صفا بعد صف، إن تهزموا يصبغوا فينا القلف فقطع سبعمائة من بني شيبان أيدي أقبيتهم من مناكبهم لتخف أيديهم لضرب السيوف، فجالدوهم وبارز الهامرز، فبرز إليه برد بن حارثة اليشكري فقتله برد، ثم حملت مسيرة بكر وميمنتها وخرج الكمين فشدوا على قلب الجيش وفيهم إياس بن قبيصة الطائي، وولت إياد منهزمة كما وعدتهم، فانهزمت الفرس واتبعتهم بكر تقتل ولا تلتفت إلى سلب وغنيمة، وقال الشعراء في وقعة ذي قار فأكثروا، وأما عن هلاك عمرة بن هند، فقيل هلك عمرو ملك موضعه أخوه قابوس بن المنذر أربع سنين، من ذلك أيام أنوشروان ثمانية أشهر، وفي أيام هرمز ثلاث سنين وأربعة أشهر، ثم ولي بعد قابوس السهرب، ثم ملك بعده المنذر بن النعمان أربع سنين، ثم ولي بعده النعمان بن المنذر أبو قابوس اثنتين وعشرين سنة.

 

من ذلك في زمان هرمز سبع سنين وثمانين أشهر، وفي زمانه ابنه أبرويز أربع عشرة سنة وأربعة أشهر، ثم ولي إياس بن قبيصة الطائي ومعه النخيرخان في زمان كسرى بن هرمز أربع عشرة سنة، ولثمانية أشهر من ولاية إياس بعث النبي صلى الله عليه وسلم ثم ولي ازادبه بن مابيان الهمداني سبع عشرة سنة، من ذلك في زمان كسرى بن هرمز أربع عشرة سنة وثمانية أشهر، وفي زمن بوران دخت ابنة كسرى شهرا، ثم ولي المنذر بن النعمان بن المنذر، وهو الذي يسميه العرب المغرور الذي قتل بالبحرين يوم جواثاء وكانت ولايته إلى أن قدم عليه خالد بن الوليد الحيرة ثمانية أشهر، وكان آخر من بقي من آل نصر وانقرض ملكهم مع انقراض ملك فارس فجميع ملوك آل نصر فيما زعم هشام عشرون ملكا، ملكوا خمسمائة سنة واثنتين وعشرين سنة وثمانية أشهر.

 

وذكر المروزان وولايته اليمن من قبل هرمز، وهكذا كان هانئ بن مسعود بن عمرو الشيباني من سادات العرب وأبطالهم في الجاهلية، وهو الذي قاد العرب في يوم “ذي قار” وهو أول يوم انتصفت فيه العرب من العجم، وهو من قبيلة بنو شيبان.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى