مقال

الدكروري يكتب عن الإلتزام سلوك إسلامي وحضاري ” جزء 2″

جريدة الأضواء

الدكروري يكتب عن الإلتزام سلوك إسلامي وحضاري ” جزء 2″

بقلم / محمـــد الدكـــرورى

ونكمل الجزء الثاني مع الإلتزام سلوك إسلامي وحضاري، فانظر فإنها صبغة واحدة، أي غطة واحدة، أي غمسة واحدة، أنست هذا الغارق في عالم الترف والشهوات وكل لذائذه طول عمره، لم يعد يذكر شيئا من تلك الشهوات والسفرات، واللهو والمهرجانات، والخيمات والنومات، والشواطئ الساحرات، والفنادق الهادئات، فهو في ميزان الله محترق، ناشف مرباد، وإن كان في موازين الناس منتفخ البطن، مبتسم الوجه، هنيء الحياة كما يبدو لهم، ولا شك أن الترف أفسد أبناءنا، فوجدنا فينا من يتفاخر يقول، أنا لا أجعل ابني في احتياج إلى شيء أبدا، فأنا ألبي له جميع طلباته ورغباته ومثل هذا يظن أنه أحسن إلى ولده، وأنا أعرف أن العاطفة لها دخل كبير في هذا، بل من لا يستطيع أن يفعل ذلك يظل مهموما بهذه الرغبات من الأولاد، والتي لا يستطيع أن يلبيها لهم.

والحقيقة أن هذا ليس من التربية في شيء، فأنت بذلك تفسد الولد، فإننا نفتقد الحكمة في التربية، ونفتقد التربية الإيمانية الصحيحة لأولادنا، فلماذا لا تربي ولدك منذ البداية على أن يتعلق بالله تعالي، فإذا طلب شيئا مفيدا ولم تستطع أن تجيبه فقل له هيا يا بني نصلي ركعتين وندعو الله فيهما، فإن الله هو الرزاق، وهو ربنا المدبر لأمورنا، فإذا لم يمنحنا المال الذي أستطيع به أن آتيك بما تريد، فاعلم أن هذا ليس مفيدا لنا الآن، لأن الله صرفه عنا، فتعلمه قول النبي الكريم صلى الله عليه وسلم ” إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله” وليس من التربية أن تلبي جميع متطلبات أولادك، فينشأ الواحد منهم عبد شهواته، كلما تاقت نفسه إلى شيء طلبه فإنه إن لم يجده، سيسرق ويزنى ويخون من أجل أن يحقق ما يشتهي وإن لابنك حقا أعظم من الدنيا، وهو أن تعلمه كيف ينجو من النار.

حيث قال الله تعالى في سورة التحريم ” يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجاره عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون” ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ” ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولا ينظر إليهم ولهم عذاب أليم، شيخ زان وملك كذاب وعائل مستكبر ” فرجل كبير السن يزني، وملك يكذب على رعيته ولا يحتاج لذلك فإذا كذب غش، فهنا ضعف الداعي، وتم الفعل، فعظم الوزر، إنها عقوبة تروع قلب أي مسلم ألا يكلمه الله، انظر لكعب بن مالك لما خاصمه رسول الله صلى الله عليه وسلم كادت روحه تزهق، تفكر في حالك ولو أتيت من تحب فوجدته معرضا عنك أو خاصمك كيف تكون حينها؟ ألا تشعر أن الدنيا اسودت في وجهك، ويحل بك من الضيق والحزن ما يقطع قلبك، فما بالك أن يقاطعك الله.

لا يكلمك، لا ينظر إليك، يعرض عنك، لا يزكيك، هذا أشد من عذاب جهنم عند الموقنين المحبين الموحدين، والثالث هو عائل أي فقير وهو مع هذا مستكبر، فإن يطغى الغني بالمال هذا أمر معروف، حيث قال تعالى ” كلا إن الإنسان ليطغي أن رآه استغني” لكن فقير يتكبر فلماذا ؟ وكذلك فقير مترف هذا شيء يبغضه الله تعالى، والنظر في بعض الأمثلة التي حدثت في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم من إسلام بعض الصحابة، كيف أسلم بعض الصحابة؟ كيف دخل الإيمان في قلوبهم؟ كيف اهتدوا؟ كيف انقذوا من الشرك والكفر والضلال ودخلوا في الإسلام؟ كيف حدث هذا؟ وكيف اهتدى بعض الفسقة، وبعض الضالين من الفجار؟ كيف اهتدوا وصاروا أناسا صالحين طيبين؟ وهذا السؤال من الأهمية بمكان حتى يعلم كل إنسان مكانه، وحتى يعلم الإنسان السبل التي يسلكها.

ويصل إلى هذه النتيجة، لماذا نحن أيها الأخوة مقصرون؟ لماذا نحن واقعون ومنغمسون في الشهوات؟ لماذا لا نترك هذه الشهوات وننتقل إلى دائرة الضوء ودائرة الإيمان؟ كيف انتقل الصحابة؟ والصحابة انتقلوا بطرق عديدة، فقد انتقلوا بطرق عديدة من الكفر إلى الإسلام، فمنهم من جلس مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فناقشه صلى الله عليه وسلم مناقشة إيمانية،لا مناقشة عقلية مجردة عن دلائل الإيمان، ونور الإيمان، مناقشة إيمانية، هداهم الله تعالى بهذه الكلمات نبوية إلى الإسلام، ولقد نبّه رسول الله صلَّى الله عليه وسلم على خطورة الانخداع بالمظاهر، فعن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه قال مر رجل على النبي الكريم صلى الله عليه وسلم فقال لرجل عنده جالس ” ما رأيك في هذا؟ ” فقال رجل من أشراف الناس هذا والله حري إن خطب أن يُنكح، وإن شفع أن يشفع.

فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم مر رجل آخر، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ” ما رأيك في هذا؟ ” فقال يا رسول الله، هذا رجل من فقراء المسلمين هذا حري إن خطب ألا ينكح، وإن شفع ألا يُشفع، وإن قال ألا يُسمع لقوله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” هذا خير من ملء الأرض مثل هذا” رواه البخاري، وإن من أعظم السلبيات التي نراها ظاهرة للعيان في بعض المجتمعات الملتزمة هو اهتمام كثير منهم بإصلاح الظاهر، وخصوصا لمن يدخل حديثا في سلك الالتزام، وينتظم في سلك الصالحين، مع أن هذا الرجل بحاجة ماسة إلى إصلاح الباطن أولا مع أهمية إصلاح الظاهر ولا شك ولكن المنهج التربوي الصحيح يقضي بأهمية القيام بإصلاح القلب والباطن، ومن المؤكد حتما أنه في حال إصلاح القلب سينعكس ذلك إيجابيا على ظاهر الشخص.

فيتأكد إذن أهمية الاهتمام بالجوهر قبل المظهر، ومن المهم أن نعلم أن المعاصي الباطنة أشد وأكبر ضررا من المعاصي الظاهرة، فمعاصي القلوب قد تكون أشد ضررا من معاصي الجوارح، مع أن القرآن الكريم دعا لإصلاحهما معا، وترك ظاهر الإثم وباطنه .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى