مقال

الدكروري يكتب عن المستمثر الوطني ” جزء 5″

جريدة الأضواء

الدكروري يكتب عن المستمثر الوطني ” جزء 5″

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

ويقول ابن الجوزي وهو يتحدث في مدينة بغداد رأيت عموم الخلائق يدفعون الزمان دفعا عجيبا، إن طال الليل فبحديث لا ينفع، أو بقراءة كتاب في غزاة أو سمر بطولات معارك، ويقول ابن الجوزي رحمه الله تعالى ” فوا عجبا من مضيع لحظة يقع فيها فلتسبيحة تغرس له في الجنة نخلة أكلها دائم وظلها في السماء ” لذلك جاء النص عليهما في الحديث الشريف “نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس، الصحة والفراغ” ولذلك قال العلماء أهم نعم الله عز وجل على العبد ثلاث، الإيمان والصحة والفراغ، فأن يجد إيمانا وصحة وفراغا فهو رأس المال كله، ومعنى مغبون فيهما كثير من الناس، والغبن هو أن تشتري سلعة بأكثر من قيمتها الحقيقية، أو تبيع سلعة بأقل من قدرها، هذا غبن أيضا، وأكثر الناس مفرطون في الصحة والفراغ، ولذلك فهم مغبونون أشد الغبن، وهناك قلة من الناس لم يغبنوا، كما نص عليه الحديث قال “نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس”

 

يعني هناك قليل تلافوا ذلك الغبن، وهؤلاء القليل هم الفائزون، وأثمن شيء تملكه هو الوقت، إنه رأس مالك، فإن حياة كل منا مجموعة أيام، كيف يستهلكها، إما أن يستهلكها، وإما أن يستثمرها، وإن استهلكها في طلب الدنيا، وجاء الموت، ندم على ما فعل، وإن استثمرها في عمل صالح وجاء ملك الموت، شعر بالنجاح، شعر بالتفوق، شعر بالفوز، شعر بالتوفيق، شعر بأنه إنسان عرف ربه وعرف مهمته وعرف نفسه، وإن الذي يمسك بالأموال بيده ويلقيها في الطريق هذا ما اسمه بالشرع؟ اسمه سفيه، يعني أحمق، وهذا السفيه يحجر عليه شرعا، وكما أن الذي ينفق ماله جزافا من غير تبصر، من غير حكمة يسمى في الشرع سفيها، والسفيه يحجر عليه، ونعلم جيدا أن بذل المال أهون من بذل النفس، وأهون بكثير، إذن الحياة أغلى من المال، إذن الذي يبدد ماله من غير حكمة يعد عند المجتمع سفيها، ويجب أن يحجر عليه، فكيف بالذي يبدد وقته.

 

وهو أغلى من المال، إن الذي يبدد وقته من دون طائل لهو أحق من أن يحجر عليه من هذا الذي يبدد ماله، الوقت ثمين، لا تنسي هذه الكلمة، أنت وقت أنت بضعة أيام، بضعة سنين وأعوام، أنت بضعة دقائق وثوان، دقات قلب المرء قائلة له، القلب يدق، إذن أنت حي، فإذا توقف القلب انتهت الحياة، وهذا القلب له أجل، وإن هناك فرق دقيق بين الوقت والمال، فإن المال إذا ضاع يعوض، ولكن الوقت إذا ضاع لا يعوض، وعقارب الزمن لا ترجع إلى الوراء، فإنه ما مضى فات والمؤمل غيب ولك الساعة التي أنت فيها، وإن استثمار الوقت مهم جدا لدرجة أن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول “ليس يتحسر أهل الجنة على شيء إلا على ساعة مرت بهم لم يذكروا الله عز وجل فيها” يتحسرون على ساعة، والساعة لحظة، أي مدة من الزمن، يقال للفترة القصيرة من الزمن في لغة العرب ساعة، لا يتحسر أهل الجنة على شيء.

 

إلا على ساعة مرت بهم لم يذكروا الله عز وجل فيها، ويبلغ مقدار أهمية استغلال الوقت في الإسلام مبلغاً عجيبا لدرجة أن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول “إن قامت الساعة وبيد أحدكم فسيلة، فإن استطاع ألا تقوم حتى يغرسها فليفعل” رواه البخاري، والمقصود هو أن يستغل كل شيء، فلو قامت القيامة وتستطيع أن تغرس فسيلة في يدك، فاغرسها ثم مت، وهذا الوقت من نعم الله عز وجل، وله ميزات عجيبة، فهو سريع التقضي أبي التأتي، يذهب بسرعة ولا يمكن أن يرجع، وهو كالسيف إن لم تقطعه قطعك، بعض الناس يقول هذا عنده غيرة، وهذا ليس عنده غيرة، هناك غيرة مهمة جدا، وهي الغيرة على الوقت، الواحد قد يغار على عرضه، ويغار على أهله، لكن هناك غيرة مهمة، وهي الغيرة على الوقت الذي يذهب ويهدر، فإذا صارت هناك غيرة على هذه الأوقات المهدرة حصل كمال عظيم للمسلم، قال صاحب صيد الخاطر.

 

ينبغي للإنسان أن يعرف شرف زمانه وقدر وقته، فلا يضيع منه لحظة في غيره قربة، ويقدم الأفضل فالأفضل من القول والعمل، ولتكن نيته في الخير قائمة، فإذا علم الإنسان وإن بالغ في الجد بأن الموت يقطعه عن العمل، عمل في حياته ما يدوم له أجره بعد موته، فإن كان له شيء من الدنيا ويعني عنده أموال مثلا، وقف وقفا وغرس غرسا يأكل منه الطير والحيوان فيكون له أجر والناس الذين عندهم مزارع وبساتين، وعندهم حدائق في بيوتهم، لو نووا بهذا الغرس أنه لله، فإذا أكل منه طير أو حيوان فإنهم يؤجرون على نيتهم هذه وقف وقفا أو غرس غرسا وأجرى نهرا، ويسعى في تحصيل ذرية تذكر الله بعده، فيكون الأجر له، ويقول الإمام على رضي الله عنه من أمضى يومه في غير حق قضاه، أو فرض أداه، أو مجد بناه، أو حمد حصله، أو علم اقتبسه، فقد عق يومه وظلم نفسه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى