مقال

الدكروري يكتب عن المستثمر الوطني ” جزء 10″

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن المستثمر الوطني ” جزء 10″

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

وقد قيل من طلب الراحة ترك الراحة، وكان الخليل بن أحمد الفراهيدي يقول أثقل الساعات علي هي ساعة آكل فيها وكان أحدهم ليحزن ويصيبه المرض إذا فاته شيء من العلم، فقد ذكروا لشعبة حديثا لم يسمعه، فجعل يقول واحزناه وكان يقول إني لأذكر الحديث فيفوتني، فأمرض، وعن عبد الرحمن بن تيمية قال عن أبيه كان الجد إذا دخل الخلاء يقول لي اقرأ في هذا الكتاب، وارفع صوتك حتى أسمع وهذا الإمام أبو يوسف القاضي، كان شديد الملازمة لشيخه أبى حنيفة، لازم مجلسه أكثر من سبعة عشر سنة، ما فاته صلاة الغداة معه، ولا فارقه في فطر ولا أضحى إلا من مرض، وروى محمد بن قدامة، قال سمعت شجاع بن مخلد، قال سمعت أبا يوسف يقول مات ابن لي، فلم أحضر جهازه ولا دفنه وتركته على جيراني وأقربائي، مخافة أن يفوتني من أبي حنيفة شيء لا تذهب حسرته عنى، وهذا الإمام ابن جرير الطبري رحمه الله تعالى.

 

يقول عن نفسه” حفظت القرآن ولي سبع سنين، وصليت بالناس وأنا ابن ثماني سنين، وكتبت الحديث وأنا في التاسعة ” ومما يدل على علو همته وقوة تحصيله ما أخبر به عن نفسه قال” جاءني يوما رجل فسألني عن شيء في علم العروض، ولم أكن نشطت له قبل ذلك، فقلت له إذا كان غدا فتعال إلىّ ” وطلب كتاب العروض للخليل بن أحمد، فجاءوا له به فاستوعبه وأحاط بقواعده وكلياته في ليلة واحدة، يقول ” فأمسيت غير عروضي، وأصبحت عروضيا” وهكذا فإن الجدية صفة أساسية وخلق لازم للمؤمنين الذين عاهدوا الله على أن يحيوا لدعوته، أو يموتوا في سبيلها، حيث تطبع بصماتها وتتحلى مظاهرها في جُل المواقف والأحوال ونلمس هذا المعنى من ذلك النداء الرباني في قوله تعالى ” يا يحيي خذ الكتاب بقوة” ويقول الإمام ابن كثير في معني الآية الكريمة، أي تعلم الكتاب بقوة، أي بجد وحرص واجتهاد، ويقول تعالي ” وآتيناه الحكم صبيا”

 

أي الفهم والعلم، والجد والعزم، والإقبال على الخير والإنكباب عليه، والاجتهاد فيه، وهو صغير حدث، فها هو ذا أول موقف ليحيى هو موقف انتدابه ليحمل الأمانة الكبرى ” يا يحيي خذ الكتاب بقوة” والكتاب هو التوارة، وقد ورث يحيى أباه زكريا، ونودي ليحمل العبء، وينهض بالأمانة في قوة وعزم، ولا يضعف ولا يتهاون، ولا يتراجع عن تكاليف الوراثة، والجدية ضرورية لأن بها تؤدي التكاليف والواجبات، وتبلغ الرسالات وتنتشر الدعوات ويتغلب على العقبات والمشقات وتتحقق أسمى الأهداف والغايات وبدون الجدية تبدد الجهود المبذولة وتذيل شجرة الدعوة، وتخبو رايتها ويتأخر الركب، ويتقدم الأعداء، وتضيع الأمانة، وكما أن عدم الجدية يؤدي إلى الوقوع في المعصية والنفاق والعياذ بالله، فسبب المعصية الأولى هو النسيان وقلة العزم والجدية، وهذا يتقاسمه كل بني البشر، وهي المنافذ الأولى التي يخترقها الشيطان من الإنسان.

 

فيقول تعالي كما جاء في سورة طه ” ولقد عهدنا إلي آدم من قبل فنسي ولم نجد له عزما” لذا كان الرسل ودعواتهم على مستوى من الجدية بقدر ما يمنع عنهم الخطأ ويحقق العصمة، وتفاوت بعضهم في العزم حتى تميّزوا بأولوا العزم من الرسل” ولو تأملنا آيات القرآن الكريم ونظرنا إلى أهم صفات المنافقين، وأول ملحظ تلحظه هو انعدام الجدية من حياة هؤلاء، حيث قال الله تعالى كما جاء في سورة التوبة ” ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون” وكما عند معرض وصفه لعبادتهم، حيث قال الله تعالى كما جاء في سورة النساء ” وإذا قاموا إلي الصلاة قاموا كسالي يراءون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلا” وقد بيّن النبي صلى الله عليه وسلم صفاتهم كذلك إذ يقول “أربع من كن فيه كان منافقا خالصا ومن كانت فيه خلة منهن كانت فيه خلة من نفاق حتى يدعها إذا حدث كذب وإذا عاهد غدر وإذا وعد أخلف وإذا خاصم فجر” متفق عليه.

 

ولقد اتفق العلماء قديما على أن المراد من النفاق هنا النفاق الأصغر لا الأكبر، ولكنهم أوّلوا الحديث على أن هذه الأفعال هي تهيئة ليصير الإنسان منافقا حقيقيا، فحياة المنافقين إذن فوضى معلنة على كل ما هو رمز للجد والعزم، لذا فهو تربة خصبة لوساوس الشيطان بل جندي وفيّ له “وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم إنما نحن مستهزئون” وفي المقابل، فإن صفات المؤمنين كما قال الله تعالي “والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون” وكما قال تعالي ” والذين هم على صلاتهم دائمون” والآيات كثيرة وكثيرة، ومن السنة النبوية قوله صلى الله عليه وسلم “من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت” فالإيمان بالله يستلزم منك استحضارا لخشية الله ومراقبة له وهو “التقوى” وإيمانك باليوم الآخر يرفع من مستوى مسئوليتك العملية بالتالي يستدعي استنهاض الحس ويقظة الروح والتزام الجدية “ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا” فلا يقول كلاما قد يخرج به عن الجادة ويقع في المحظور “إن الرجل ليتكلم بالكلمة لا يرى بها بأسا يهوي بها سبعين خريفا في النار” رواه الترمذي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى