مقال

نفحات إيمانية ومع أحوال الفرج والشدة “جزء8”

نفحات إيمانية ومع أحوال الفرج والشدة “جزء8”

بقلم / محمـــد الدكـــرورى

 

ونكمل الجزء الثامن مع أحوال الفرج والشدة، وقد قال تعالى “وليأخذوا حذرهم وأسلحتهم” كما أنه ليس من شرطه أن لا يسقي الأرض بعد بث البذر، فيقال إن سبق القضاء بالنبات نبت البذر وإن لم يسبق لم ينبت، بل ربط الأسباب بالمسببات هو القضاء الأول الذي هو كلمح البصر أو هو أقرب، وترتيب تفصيل المسببات على تفاصيل الأسباب على التدريج والتقدير هو القدر، والذي قدر الخير قدره بسبب، والذي قدر الشر قدر لرفعه سببا، فلا تناقض بين هذه الأمور عند من انفتحت بصيرته، ثم في الدعاء من الفائدة أنه يستدعي حضور القلب مع الله وهو منتهى العبادات، ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” الدعاء مخ العبادة”

 

والغالب على الخلق أن لا تنصرف قلوبهم إلى ذكر الله عز وجل إلا عند إلمام حاجة وإرهاق ملمة، فإن الإنسان إذا مسه الشر فذو دعاء عريض، فالحاجة تحوج إلى الدعاء، والدعاء يرد القلب إلى الله عز وجل بالنضرع والاستكانة، فيحصل به الذكر الذي هو أشرف العبادات، ولذلك صار البلاء موكلا بالأنبياء عليهم السلام، ثم الأولياء، ثم الأمثل فالأمثل، لأنه يرد القلب بالافتقار والتضرع إلى الله عز وجل، ويمنع من نسيانه، وأما الغنى فسبب للبطر في غالب الأمور، فإن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى، وإن الضلال المبين لمن صرف الدعاء لغير الله رب العالمين، ويقول ابن القيم رحمه الله في كتابه “الجواب الكافي” حقيقة الشرك هو التشبيه بالخالق والتشبيه للمخلوق به.

 

هذا هو التشبيه في الحقيقة، لا إثبات صفات الكمال التي وصف الله بها نفسه، ووصفه به رسوله، فعكس الأمر من نكس الله قلبه وعمى عين بصيرته، وأركسه بكسبه، وجعل التوحيد تشبيها، والتشبيه تعظيما وطاعة، فالمشرك مشبه للمخلوق بالخالق في خصائص الألوهية، فإن من خصائص الألهية التفرد بملك الضر والنفع، والعطاء والمنع، وذلك يوجب تعليق الدعاء، والخوف، والرجاء، والتوكل به وحده، فمن علق ذلك بمخلوق فقد شبهه بالخالق، وجعل من لا يملك لنفسه ضرا ولا نفعا ولا موتا ولا حياة ولا نشورا، فضلا عن غيره، شبيها لمن له الأمر كله، فأزمة الأمور كلها بيديه، ومرجعها إليه، فما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن، لا مانع لما أعطى، ولا معطى لما منع.

 

بل إذا فتح لعبده رحمته لم يمسكها أحد، وإن أمسكها عنه لم يرسلها إليه أحد، فمن أقبح التشبيه هو تشبيه العاجز الفقير بالذات، بالقادر الغني بالذات، ومن خصائص الألوهية هو الكمال المطلق من جميع الوجوه، الذي لا نقص فيه بوجه من الوجوه، وذلك يوجب أن تكون العبادة كلها له وحده، والتعظيم، والإجلال، والخشية، والدعاء، والرجاء، والإنابة، والتوبة، والتوكل، والاستعانة، وغاية الذل مع غاية الحب، كل ذلك عقلا وشرعا وفطرة، أن يكون له وحده، فمن جعل شيئا من ذلك لغيره، فقد شبه ذلك الغير بمن لا شبيه له، ولا مثيل له، ولا ند له، وذلك من أقبح التشبيه وأبطله، ولشدة قبحه وتضمنه غاية الظلم أخبر سبحانه أنه لا يغفره، مع أنه كتب على نفسه الرحمة.

 

وإن موضوع الدعاء هو من مواضيع الإيمان، ومن مواضيع أعمال القلوب، التي لا يستشعرها، ولا يعيش لحظاتها، إلا من أوقد الله قلبه بحرارة الإيمان، وعمّره برياض ذكر الله، والإقبال عليه، وخشيته بالسر والعلانية، وإنه موضوع فيه احتساب للأجر، وفيه صبر لله تعالى، وفي ذات الله، وصبر على أقدار الله سبحانه، حيث يقول الله في محكم تنزيله ” أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الأرض أإله مع الله قليلا ما تذكرون” فمن الذي يجيب المضطر إذا رفع يديه لله عز وجل يطلب منه المدد؟ ومن الذي يجيب المسلم في لحظات الكرب والشدة، وهو يهتف داعيا ربه منيبا إليه، طالبا منه العون وتفريج تلك الهموم؟ فيقول تعالى ” فإن مع العسر يسرا، إن مع العسر يسرا”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى