مقال

الدكروري يكتب عن سر نهضة الأمم “جزء 5”

جريدة الأضواء

الدكروري يكتب عن سر نهضة الأمم “جزء 5”

بقلم / محمــــد الدكــــروري

 

وروى لقمان بن أبي عامر عن أبي الدرداء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال “يا عويمر ازدد عقلا تزدد من ربك قربا، قلت بأبي أنت وأمي، ومن لي بالعقل ؟ قال اجتنب محارم الله، وأد فرائض الله تكن عاقلا ثم تنفل بصالحات الأعمال تزدد في الدنيا عقلا وتزدد من ربك قربا وبه عزا، واعتبر الإسلام العقل من أولي الأخلاق قبل الدين حتي ذكر الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه، إن المكارم أخلاق مطهرة فالعقل أولها والدين ثانيها، والعلم ثالثها والحلم رابعها والجود خامسها والعرف ساديها، والبر سابعها والصبر ثامنها والشكر تاسعها واللين عاشيها، والنفس تعلم أني لا أصدقها ولست أرشد إلا حين أعصيها، والعين تعلم في عيني محدثها من كان من حزبها أو من أعاديها عيناك قد دلتا عيني منك على أشياء لولاهما ما كنت تبديها، وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال “الأحمق أبغض خلق الله إليه، إذ حرمه أعز الأشياء عليه”

 

فالعاقل يسعد ويُسعد، أما ضعيف العقل يشقى ويُشقي، لذلك أنا أقول ولا أبالغ والله ما من عطاء إلهي يفوق في قيمته عطاء العقل أن يهبك الله عقلا راجحا، يعينك أن تعيش بين الناس، على أن يحبك الناس، ويعني أنت بالعقل والحكمة، تسعد بزوجة من الدرجة الخامسة، ومن دون عقل ولا حكمة تشقى بزوجة من الدرجة الأولى، فأنت بالعقل والحكمة تعيش بدخل محدود، ومن دون عقل وحكمة تدمر نفسك وأنت بدخل غير محدود، فيقول رسول الله عليه الصلاة والسلام “ما اكتسب رجل مثل فضل عقل يهدي صاحبه إلى هدى ويرده عن ردى وما تم إيمان عبد ولا استقام دينه حتى يكمل عقله” ويقول أمير المؤمنين عمر بن الخطاب أصل الرجل عقله، وحسبه دينه، ومروءته خلقه، وقال بعض الأدباء صديق كل امرئ عقله، وعدوه جهله، وأنا لا أرى عدوا أعدى من الجهل، قد يكون لنا عدو، واليهود لعنهم الله، ولكن أشد عداوة لنا منهم جهلنا.

 

لأن الجاهل يفعل في نفسه ما لا يستطيع عدوه أن يفعله به، وإنه من يستجيب لنداء العقل فسعد في الدنيا والآخرة، وهنا رجل من كبار الصحابة، اسمه نعيم بن مسعود وهذا زعيم غطفان وجاء على رأس جيش ليحارب النبي الكريم عليه الصلاة والسلام في معركة الخندق ، فكانت له قصة رائعة، فكان مستلقيا في خيمته، وهو يحاصر النبي عليه الصلاة والسلام، وقد جرى حوار ذاتي، داخلي، الآن إذا إنسان ركب وسافر وحده، ساكت، هو ليس ساكتا، هناك حوار مع ذاته، وكل واحد منكم إذا ماشي بالطريق وهو صامت، أو جالس ينتظر وهو صامت، لا بد من حوار مع الذات، فهذا الحوار مع الذات مهم جدا، فهذا الصحابي الجليل يخاطب نفسه، فيقول ويحك يا نعيم، أنت عاقل، لماذا جئت تحارب هذا الرجل؟ هل سفك دما، هل انتهك عرضا، هل اغتصب مالا، أيليق بك يا نعيم، أن تحارب رجلا رحيما، فحاور نفسه، وكم إنسان يرتكب أبشع الأغلاط وهو غافل.

 

فقال أيليق بك يا نعيم، وأنت العاقل أن تحارب هذا الرجل، ماذا فعل هذا الرجل ؟ ماذا فعل أصحابه ؟ ومازال يحاور نفسه، ويؤنبها، ويبحث عن الصواب، إلى أن وقف واتجه نحو معسكر النبي صلى الله عليه وسلم، ودخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالنبي فى دهشه، زعيم قبيلة معادية، قال له نعيم ؟ قال يا نعيم ما الذي جاء بك إلينا، قال جئت لأعلن إسلامي، سبحان الله بساعة تفكير، ساعة إعمال عقل، ساعة تأمل ساعة حديث مع الذات، انقلب من رجل مشرك يحارب الله ورسوله، إلى رجل مؤمن، قال له امرني يا رسول الله صلى الله عليه وسلم، والمعركة على وشك أن ينتهي الإسلام، قال بعض من كان مع النبي صلى الله عليه وسلم أيعدنا صاحبكم أن تفتح علينا بلاد قيصر وكسرى وأحدنا لا يأمن أن يقضي حاجته، والله عز وجل قال فى سورة الأحزاب ” هنالك ابتلى المؤمنون وزلزلوا زلزالا شديدا”

 

فالإنسان المراقب يوقن أنه بقي للإسلام ساعات، ما اجتمع في الجزيرة عشرة آلاف مقاتل جاءوا ليستأصلوا الإسلام، فقال له امرني، قال له أنت واحد، فقال عليه الصلاة والسلام” خذل عنا ما استطعت” فهذا الرجل الواحد استطاع أن يدخل إلى قريش، وأن يوقع بينها وبين اليهود الذين نقضوا عهدهم مع النبي صلى الله عليه وسلم، قال اليهود ندموا على نقض عهدهم مع محمد صلى الله عليه وسلم، الآن سيطلبون منكم رهائن كي لا تتخلوا عنهم، وهذه الرهائن سوف يقدمونها إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليقتلهم، وقال لقريش كلام معاكس، فقد وقع بين قريش واليهود ما فيه الشقاق، والله عز وجل دعم الموقف لأنه أرسل رياحا عاتية، قلبت قدورهم، وأطفأت نيرانهم، واقتلعت خيامهم، وكفى الله المؤمنين القتال، يعني أيام الإنسان موقف واحد يسعد به إلى أبد الآبدين، مثل هذا الصحابى نعيم وهى لحظة عقل واحدة، نقلته من مشرك مقاتل إلى جهنم إلى مؤمن صحابي جليل، نترضي عنه إلي الآن.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى