مقال

الدكروري يكتب عن الإمام ابن خالوية

جريدة الأضواء

الدكروري يكتب عن الإمام ابن خالوية

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

الإمام ابن خالوية هو أبو عبد الله النحوي اللغوي، من كبار أهل النحو واللغة والعربية، أصله من همذان، وهو من علماء العربية في القرن الهجري الرابع، فهو أبو عبد الله الحسين بن أحمد بن خالويه وهو عالم لغوي بارز ولد في مدينة همدان في ايران و لكنه انتقل إلى بغداد عام ثلاثمائة وأربعة عشر من الهجرة، وتوفي عام ثلاثمائة وسبعين من الهجرة، وكان يلقب بذي النونين، وعاصر المتنبي ولم يكن على وفاق معه لاختلاف مدرستيهما اللغويتين، وتتلمذ ابن خالويه على أيدي الكثير من شيوخ زمانه واعتمد على التنويع في العلوم وكان له في كل علم شيخ، وممن درس وتعلم ابن خالويه على أيديهم، هم ابن الأنباري الذي درس على يده النحو على منهج مدرسة الكوفة، ومحمد بن مخلد العطار الذي علمه علوم الحديث الشريف، وأبو سعيد السيرافي الذي تعلم على يده النحو على منهج مدرسة البصرة، وابن مجاهد الذي علمه علوم القرآن والقراءات والحديث.

 

وابن دريد في اختصاص النحو والأدب، ونفطويه في اختصاص النحو والأدب، وكما علم ابن خالويه الكثير ممن أصبحوا علماء كبار وبارزين في عصرهم والعصور اللاحقة ومنهم أبو بكر الخوارزمي، وعبد المنعم بن غلبون، وأبو الحسن محمد بن عبد الله الشاعر المعروف بالسلامي، وسعيد بن سعيد الفارقي، ويلقب بابن خالويه والهمذاني، وذلك نسبة إلى همذان التي وُلد فيها، والبغدادي نسبة بغداد التي نشأ فيها، والحلبي نسبة إلى حلب التي سكن، ولفظ أنفاسه الأخيرة فيها، وهو يعتبر من أشهر رجالات عصره في تخصصه فقد كان حافظا للغة، وعالما بالعربية، ومتقنا للنحو، وعلم القراءات، ومن مؤلفاته، هو إعراب ثلاثين سورة من القرآن الكريم، والالفات، والحجة في القراءات السبع، وليس في كلام العرب، ورسالة في أسماء الريح، وشرح ديوان أبي فراس الحمداني، وشرح مقصورة ابن دريد، ومختصر في شواذ القرآن.

 

ودخل بغداد طالبا للعلم سنة ثلاثمائة وأربعة عشر من الهجرة، وأدرك مجموعة من العلماء بها، فقرأ القرآن على الإمام ابن مجاهد، والنحو والأدب على أبي بكر ابن دريد وأبي بكر ابن الأنباري ونفطويه وأخذ اللغة عن أبي عمر الزاهد، وسمع من محمد بن مخلد العطار وغيره، وقرأ على أبي سعيد السيرافي، وأخذ عنه المعافى بن زكريا النهرواني وآخرون، ونفطويه هو إبراهيم بن محمد بن عرفة، وولد بالعراق سنة مائتان وأربع وأربعين من الهجرة، ولقب نفطويه لأنه كان دميم الخلقة تشبيها بالنفط، وزيد مقطع ويه نسبة إلى سيبويه لاتباعه منهجه، وانتقل إلى الشام، ثم إلى حلب فاستوطنها، ونفق بها سوقه، وتقدم في العلوم حتى كان أحد أفراد عصره في كل قسم من أقسام الأدب، وكانت الرحلة إليه من الآفاق، واختص بسيف الدولة بن حمدان فحظي لديه، وأكرمه، وأنفق عليه، وأفضل عليه أفضالا، وعهد إليه سيف الدولة بتأديب أولاده.

 

وقرأ عليه آل حمدان، وكانوا يجلونه ويكرمونه، فانتشر علمه وفضله وذاع صيته، وكما أخذ عن أبي عمر الزاهد وهو محمد بن عبد الواحد بن أبي هاشم اللغوي، والذي كان من أكابر أهل اللغة، وأحفظهم لها، وقد أخذ عن أبي العباس ثعلب، وكان يُعرف بغلام ثعلب، وسعى ابن خالويه إلى أبي سعيد الحسن بن عبد الله بن المرزبان السيرافي النحوي، والذي كان من ألمع نجوم عصره، فجلس في حلقته، وتأثر به تأثرا كبيرا ظهر في منهجه اللغوي والنحوي، وقد اعتبر الأستاذ أحمد أمين أن السيرافي كان زعيم المحافظين في عصره، إذ كان يرى أن اللغة مرجعها الرواية والنقل لا القياس والعقل، وكما كان لابن خالويه مع أبي الطيب المتنبي مجالس ومناظرات ومباحث عند سيف الدولة من ذلك أن المتنبي حضر مجلس أبي علي الحسن بن نصر البازيار وزير سيف الدولة، وهناك ابن خالويه، فتماريا في أشجع السلمي وأبي نواس، فقال ابن خالويه أشجع أشعر.

 

ويرجح المؤرخون أن ابن خالويه وُلد، ونشأ في إحدى قرى مدينة همذان الواقعة في بلاد فارس، وتجدر الإشارة إلى أنه لا توجد معلومات دقيقة حول تاريخ مولده، إلا أنه من المرجح أنه وُلد في عام مائتان وخمس وثمانين هجرية، أو مائتان وتسعين هجرية، وتنقَل ابن خالويه خلال حياته بين عدد من البلدان، والمدن فمن همذان انتقل إلى مدينة بغداد، ومنها إلى الموصل، وميافارقين، ثم إلى مدينة حمص، حيث صنف فيها الكتب، ودرس طلاب العلم، ثم زار ابن خالويه مدينة دمشق، وبيت المقدس، واليمن، كما انتقل إلى حلب في عهد سيف الدولة الحمداني، وفيها استقر، وتولى شؤون تأديب أولاده، وتعليمهم، وقد كان ابن خالويه منذ نعومة أظافره حريصا على طلب العلم، ومُحبا لمجالس العلماء، والأدباء، وحلقات الشيوخ، حيث بدأ بحفظ القرآن، ودراسة اللغة، والنحو على يد كبار شيوخ العصر آنذاك، وقد اختلف الناس في مذهبه، فمنهم من قال سني يتبع المذهب الشافعي.

 

ومنهم من قال شيعي، وفي مذهب النحو فكان وسطي بين مدرسة الكوفة والبصرة، وقد عاصر المتنبي وكان على خلاف دائم معه لاختلاف مدارسهم، وكان المتنبي يلقي قصيدته في رثاء والدة سيف الدولة يقول فيها نعد المشرفية والعوالي وتقتلنا المنون بلا قتال، فإن كان النساء كمن فقدنا لفضلت النساء على الرجال، سلام الله خالقنا حنوط على الوجه المكفن بالجمال، فاستوقفه ابن خالويه معترضا كعادته وقال له أخطأت يا بن السقاء يقصد أبا الطيب ثم قال ما للجمال وما نحن فيه والموقف موقف رثاء وحزن؟ فقال المتنبي فما تقول أنت؟ وقال ابن خالوية أقول سلام الله خالقنا حنوط على الوجه المكفن بالجلال، فسكت المتنبي معترفا بالحق لابن خالويه ففرح ابن خالويه بهذا النصر على أمير الشعراء، وأكمل أبو الطيب قصيدته فقال مادحا سيف الدولة كأنك مستقيم في اعتدال، فاستوقفه ابن خالويه مرة ثانية وقال له لو قلت كأنك مستقيم في اعوجاج.

 

لكان أبلغ ولم يفطن ابن خالويه أن القافية هي حرف اللام وليس الجيم، فقال أبو الطيب المتنبي إنما قلت اعتدال لكي تستقيم القافية في البيت التالي، فإن تفق الأنام وأنت منهم فإن المسك بعض دم الغزال، ولو قلت اعوجاج كما تريد أنت لقلت فإن تفق الأنام وأنت منهم فإن البيض بعض دم الدجاج؟ وهنا ضحك الحاضرون وسخروا من ابن خالويه ومعهم سيف الدولة حتى استلقى على قفاه من كثرة الضحك.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى