مقال

الدكروري يكتب عن الإمام الصفدي ” جزء 1″

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن الإمام الصفدي ” جزء 1″
بقلم / محمـــد الدكـــروري

الإمام الصفدي هو صلاح الدين الصفدي وهو صلاح الدين أبو الصفاء خليل بن أيبك بن عبد الله الألبكي الفاري الدكروري يكتب عن الإمام الصفدي ” جزء 1″ الدمشقي الشافعي، ووُلد الإمام الصفدي لواحد من أمراء المماليك، في صفد سنة ست وتسعين وست مائة، ونشأ في أسرة ثرية نشأة مرفَهة، فحفظ القرآن الكريم في صغره، ثم طلب العلم، وبرع في النحو واللغة والأدب والإنشاء، وكتب الخط المنسوب، وقرأ الحديث وكتبه، وتعلم صناعة الرسم على القماش، ثم حُبب إليه الأدب فولع به، وذكر عن نفسه أن أباه لم يمكنه من الاشتغال حتى استوفى عشرين سنة، فطلب بنفسه وقال الشعر الحسن ثم أكثر جدا من النظم والترسل والتواقيع، وكان الصفدي محببا إلى الناس، حسن المعاشرة، جميل المودة، وكان إليه المنتهى في مكارم الأخلاق ومحاسن الشيم، وكانت له همة عالية في التّحصيل، فما صنف إلا وسأل علماء عصره عما يلزمه فيه من لغة، أو نحو أو بلاغة أو فقه أو حديث، فكتب بخطه المئين من المجلدات.

وصنف ما يزيد عن خمسين مؤلفا، وأخذ الإمام الصفدي عن العديد من العلماء في صفد ودمشق والقاهرة وحلب ومن هؤلاء الحافظ فتح الدين محمد بن محمد بن سيِد الناس وبه تمهر في الأدب وقرأ عليه الحديث بالقاهرة، وابن نباتة محمد بن محمد الفارقي المصري وقد أخذ عنه الأدب، وأبو حيان أثير الدين محمد بن يوسف الغرناطي وعنه أخذ النَحو واللغة، وقد جمع الصفدي ما سمعه من أماليه في كتاب مجاني الهصر من أدب أهل العصر، وكما الشهاب محمود بن فهد الحلبي، وسمع منه كتابه حسن التوسل، وروى عنه الكثير من شعره، وكما سمع من القاضي بدر الدين بن جماعة، ومحمد بن إبراهيم بن سعد الكتاني، وسمع من الإمام تقي الدين السبكي، وسمع منه كتاب شفاء السقام في زيارة خير الأنام، وكما سمع من المحدث أبو النون يونس بن إبراهيم الدبوسي، وقد سمع منه الحديث في الديار المصرية من الحافظ جمال الدين يوسف بن عبد الرحمن المزي.

ودرس عليه الحديث في دار الحديث الأشرفية بدمشق، ومن الحافظ شمس الدين أحمد بن محمد بن عثمان الذهبي حيث أخذ عنه الحديث والتاريخ، ومن شيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم بن تيمية ويقول عنه الصفدي وكنت أحضر دروسه، ويقع لي في أثناء كلامه فوائد لم أسمعها من غيره، ولا وقفت عليها في كتاب، وما من شك في أن الصفدي كان محظوظا بالاستماع إلى هؤلاء العلماء وقراءة كتبهم عليهم، وروايتها إجازة منهم، مما جعله قادرا على الإفادة بالجامع الأموي، والتحديث بدمشق وحلب وغيرها، حتى سمع منه أشياخه كالذهبي والحسيني وابن كثير وغيرهم، وتولى الصفدي الكثير من الوظائف الإدارية والمالية في القاهرة ودمشق وصفد وحلب والرحبة، ومن هذه الوظائف هي كتابة الدرج بصفد ثم بالقاهرة، وهي تتمثل بقراءة المكاتبات على الناس وكتابة الأجوبة، وما يجري مجرى ذلك، وكتابة الدست بدمشق.

وكتاب الدست هم الذين يجلسون مع كاتب السر بمجلس السلطان بدار العدل في المواكب، على ترتيب منازلهم بالقدمة، ويقرؤون القصص على السلطان بعد قراءة كاتب السر، وسُمُوا كتاب الدست إضافة إلى دست السلطان، وهو مرتبة جلوسهم للكتابة بين يديه، وأيضا كتابة السر بحلب والرحبة، وتتمثل بقراءة الكتب الواردة على السلطان وكتابة أجوبتها، وأخذ خط السلطان عليها، والجلوس لقراءة القصص بدار العدل والتوقيع عليها وكالة بيت المال في دمشق، وتتمثل بالتحدث فيما يتعلق بمبيعات بيت المال ومشترياته من أراضٍ وآدر والمعاقدة على ذلك، وقال ابن تغري بردي وشعر الشيخ صلاح الدين المذكور كثير، وفضله غزير، وهو شاعر مُجيد، على أن جيده يزيد على رديئه، ولولا أنه كان ضنينا بنفسه، راضيا بشعره، لكان يندر له الرديء، ويكثر منه الجيد، لكن رأيت من نظمه بخطه عندما يعارض بعض من تقدمه من مجيدي الشعراء في معنى من المعاني اللطيفة.

فيأخذ ذلك المعنى أو النكتة، فينظمها في بيتين، ويجيد فيهما بحسب الحال، ثم ينظم أيضا في ذلك المعنى بعينه بيتين أخر، ثم بيتين ثم بيتين، ولا يزال ينظم في ذلك المعنى وهو يقول وقلت أنا، إلى أن يمله النظر، وتسأمه النفس، ويمجه السمع، فلو ترك ذلك، وتحرى في قريضه لكان من الشعراء المجيدين، لما يظهر لي من قوة شعره، وحُسن اختراعه، وكما قال الشوكاني ونظمه مشهور، قد أودع منه في شرح لامية العجم، وغيرها ما يُعرف به مقداره، ثم قال وكان يختلس معاني شعر شيخه ابن نباتة وينظمها لنفسه، وقد صنف ابن نباتة في ذلك مصنفا سماه خبز الشعير المأكول المذموم، ووضح فيه سرقاته لشعره، ذكر الصفدي في رسالة ألفها في ترجمته لنفسه أسماء مصنفاته وهي على ما يذكره ابن العماد الحنبلي وابن العراقي، أنها تبلغ الخمسين، وقد وقع الزركلي في وهم، فقال له زهاء مئتي مصنف، ولعل سبب ذلك ما قاله ابن كثير، بأنه كتب المئين من المجلدات.الدكروري يكتب عن الإمام الصفدي ” جزء 1″

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

الإمام الصفدي هو صلاح الدين الصفدي وهو صلاح الدين أبو الصفاء خليل بن أيبك بن عبد الله الألبكي الفاري الصفدي الدمشقي الشافعي، ووُلد الإمام الصفدي لواحد من أمراء المماليك، في صفد سنة ست وتسعين وست مائة، ونشأ في أسرة ثرية نشأة مرفَهة، فحفظ القرآن الكريم في صغره، ثم طلب العلم، وبرع في النحو واللغة والأدب والإنشاء، وكتب الخط المنسوب، وقرأ الحديث وكتبه، وتعلم صناعة الرسم على القماش، ثم حُبب إليه الأدب فولع به، وذكر عن نفسه أن أباه لم يمكنه من الاشتغال حتى استوفى عشرين سنة، فطلب بنفسه وقال الشعر الحسن ثم أكثر جدا من النظم والترسل والتواقيع، وكان الصفدي محببا إلى الناس، حسن المعاشرة، جميل المودة، وكان إليه المنتهى في مكارم الأخلاق ومحاسن الشيم، وكانت له همة عالية في التّحصيل، فما صنف إلا وسأل علماء عصره عما يلزمه فيه من لغة، أو نحو أو بلاغة أو فقه أو حديث، فكتب بخطه المئين من المجلدات.

 

وصنف ما يزيد عن خمسين مؤلفا، وأخذ الإمام الصفدي عن العديد من العلماء في صفد ودمشق والقاهرة وحلب ومن هؤلاء الحافظ فتح الدين محمد بن محمد بن سيِد الناس وبه تمهر في الأدب وقرأ عليه الحديث بالقاهرة، وابن نباتة محمد بن محمد الفارقي المصري وقد أخذ عنه الأدب، وأبو حيان أثير الدين محمد بن يوسف الغرناطي وعنه أخذ النَحو واللغة، وقد جمع الصفدي ما سمعه من أماليه في كتاب مجاني الهصر من أدب أهل العصر، وكما الشهاب محمود بن فهد الحلبي، وسمع منه كتابه حسن التوسل، وروى عنه الكثير من شعره، وكما سمع من القاضي بدر الدين بن جماعة، ومحمد بن إبراهيم بن سعد الكتاني، وسمع من الإمام تقي الدين السبكي، وسمع منه كتاب شفاء السقام في زيارة خير الأنام، وكما سمع من المحدث أبو النون يونس بن إبراهيم الدبوسي، وقد سمع منه الحديث في الديار المصرية من الحافظ جمال الدين يوسف بن عبد الرحمن المزي.

 

ودرس عليه الحديث في دار الحديث الأشرفية بدمشق، ومن الحافظ شمس الدين أحمد بن محمد بن عثمان الذهبي حيث أخذ عنه الحديث والتاريخ، ومن شيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم بن تيمية ويقول عنه الصفدي وكنت أحضر دروسه، ويقع لي في أثناء كلامه فوائد لم أسمعها من غيره، ولا وقفت عليها في كتاب، وما من شك في أن الصفدي كان محظوظا بالاستماع إلى هؤلاء العلماء وقراءة كتبهم عليهم، وروايتها إجازة منهم، مما جعله قادرا على الإفادة بالجامع الأموي، والتحديث بدمشق وحلب وغيرها، حتى سمع منه أشياخه كالذهبي والحسيني وابن كثير وغيرهم، وتولى الصفدي الكثير من الوظائف الإدارية والمالية في القاهرة ودمشق وصفد وحلب والرحبة، ومن هذه الوظائف هي كتابة الدرج بصفد ثم بالقاهرة، وهي تتمثل بقراءة المكاتبات على الناس وكتابة الأجوبة، وما يجري مجرى ذلك، وكتابة الدست بدمشق.

 

وكتاب الدست هم الذين يجلسون مع كاتب السر بمجلس السلطان بدار العدل في المواكب، على ترتيب منازلهم بالقدمة، ويقرؤون القصص على السلطان بعد قراءة كاتب السر، وسُمُوا كتاب الدست إضافة إلى دست السلطان، وهو مرتبة جلوسهم للكتابة بين يديه، وأيضا كتابة السر بحلب والرحبة، وتتمثل بقراءة الكتب الواردة على السلطان وكتابة أجوبتها، وأخذ خط السلطان عليها، والجلوس لقراءة القصص بدار العدل والتوقيع عليها وكالة بيت المال في دمشق، وتتمثل بالتحدث فيما يتعلق بمبيعات بيت المال ومشترياته من أراضٍ وآدر والمعاقدة على ذلك، وقال ابن تغري بردي وشعر الشيخ صلاح الدين المذكور كثير، وفضله غزير، وهو شاعر مُجيد، على أن جيده يزيد على رديئه، ولولا أنه كان ضنينا بنفسه، راضيا بشعره، لكان يندر له الرديء، ويكثر منه الجيد، لكن رأيت من نظمه بخطه عندما يعارض بعض من تقدمه من مجيدي الشعراء في معنى من المعاني اللطيفة.

 

فيأخذ ذلك المعنى أو النكتة، فينظمها في بيتين، ويجيد فيهما بحسب الحال، ثم ينظم أيضا في ذلك المعنى بعينه بيتين أخر، ثم بيتين ثم بيتين، ولا يزال ينظم في ذلك المعنى وهو يقول وقلت أنا، إلى أن يمله النظر، وتسأمه النفس، ويمجه السمع، فلو ترك ذلك، وتحرى في قريضه لكان من الشعراء المجيدين، لما يظهر لي من قوة شعره، وحُسن اختراعه، وكما قال الشوكاني ونظمه مشهور، قد أودع منه في شرح لامية العجم، وغيرها ما يُعرف به مقداره، ثم قال وكان يختلس معاني شعر شيخه ابن نباتة وينظمها لنفسه، وقد صنف ابن نباتة في ذلك مصنفا سماه خبز الشعير المأكول المذموم، ووضح فيه سرقاته لشعره، ذكر الصفدي في رسالة ألفها في ترجمته لنفسه أسماء مصنفاته وهي على ما يذكره ابن العماد الحنبلي وابن العراقي، أنها تبلغ الخمسين، وقد وقع الزركلي في وهم، فقال له زهاء مئتي مصنف، ولعل سبب ذلك ما قاله ابن كثير، بأنه كتب المئين من المجلدات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى