مقال

الدكروري يكتب عن المقصد الشرعي من شعيرة الحج ” جزء 5″

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن المقصد الشرعي من شعيرة الحج ” جزء 5″

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

والظاهر أن وقت الرمي في يوم النحر يمتد للجميع الى الليل أي الى الفجر، لحديث البخاري عن ابن عباس رضى الله عنهما انه قال رجل رميت بعدما أمسيت؟ فقال “لا حرج” فهذا الحديث الصحيح واضح في دلالته على جواز الرمي في الليل من دون تقييد بمن له عذر ام لا، ومن دون تخصيصه بأول الليل، او آخره، وما روي عن بعض الآثار عن الصحابة لا يمكن ان يعارض هذا الحديث المرفوع الصحيح الصريح، وأما عن حكم من لم يرمى جمرة العقبة في نهار النحر، فإن من لم يرمى جمرة العقبة بعذر أو بدونه في نهار اليوم الأول من ايام العيد فإنه يرميه بالليل أداء ولا شيء عليه عند ابي حنيفة، والشافعي، ولكن عند الإمام مالك يكون قضاء وعليه دم، وقد استدلوا بحديث ابن عباس رضى الله عنهما الذي رواه البخارى ” فقال رجل رميت بعدما أمسيت؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم “لا حرج” والمساء يشمل الليل أيضا.

 

حيث يدل بوضوح على جواز رمي جمرة العقبة بالليل، وخصوصا أن ابن عباس رضى الله عنهما ذكره في بداية الحديث “كان النبي صلى الله عليه وسلم يسأل يوم النحر بمنى” ونوقش بأن المساء آخر النهار، وأجيب بأن المساء يطلق في عرف العرب على آخر النهار إلى نصف الليل والعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، وخصوصا أن السؤال يوحي انه يسأل عن الرمي في الليل، لأن هذا هو محل الإشكال، أما النهار فمعلوم جواز الرمي فيه فلا يسأل عنه صحابي، واستدلوا كذلك بحديث ابن عمر الذي أمر زوجته صفية، وابنة أخيها برمي الجمرة بعد الغروب ورأى أنهما لا شيء عليهما، وهذا صريح في أن ذلك كان بعلم الرسول الله صلى الله عليه وسلم إذ لا يفتي ابن عمر بمثل ذلك بمجرد الرأى، وأجيب بأن صفية كان لها عذر حيث كانت بصحبة ابنة أخيها التي نفست بالمزدلفة، ويمكن أن يجاب عن ذلك بأنه لو لم يكن ذلك وقتا.

 

ليبيّن ابن عمر رضى الله عنهما بأن ذلك كان قضاء، وأما عن وقت الرمي في أيام التشريق، فإنه لا خلاف في وجوب رمي الجمرات الثلاث في اليوم الأول والثاني من أيام التشريق لمن تعجل في اليومين، وفي وجوب رميها أيضا لليوم الثالث منها لمن تأخر، ولا خلاف كذلك في أفضلية الرمي بعد الزوال فيها، وان الخلاف في أوقاته على التفصيل الآتي أولا بداية وقت الرمي في اليوم الأول والثاني من أيام التشريق لا خلاف بين الفقهاء في أن من رمى الجمار في أيام التشريق بعد زوال الشمس فقد أجزأه ذلك الرمي، وإنما الخلاف في الرمي في ما عدا ذلك حيث ذهب جمهور الفقهاء الحنفية في الرواية المشهورة عنهم، والمالكية، والشافعية عند جمهورهم، والحنابلة عند جماهيرهم، إلى أن وقت الرمي في هذين اليومين يبدأ من بعد الزوال، وذهب أبو حنيفة في رواية إلى أن وقت الزوال هو وقت الأفضلية، ومع ذلك يجوز الرمي من الفجر وقبل الزوال.

 

وقال الكاساني وعن أبي حنيفة إن الأفضل أن يرمي في اليوم الثاني والثالث بعد الزوال، فإن رمى قبله جاز، لأن ما قبل الزوال وقت الرمي في يوم النحر فكذا في اليوم الثاني والثالث، وهذا رأي مروي عن عطاء وطاووس، وذهب في رواية ثالثة إلى أن من كان قصده التعجيل في اليومين يجوز له أن يرمي في اليوم الثاني من أيام التشريق قبل الزوال، وذلك لدفع الحرج، لأنه إذا نفر بعد الزوال لا يصل إلى مكة إلا بالليل فيخرج في تحصيل موضع النزول، وهذا الرأي هو رواية لأحمد لكنه قال ينفر بعد الزوال، وقد قوى بعض متأخري الحنفية هذه الرواية توفيقا بين الروايات عن أبي حنيفة، ولأن الأخذ به مناسب لمن خشي الزحام وفيه رفع الحرج، وقد استدل الجمهور بفعل النبي صلى الله عليه وسلم حيث رمى في أيام التشريق بعد الزوال، وما رواه البخاري بسنده عن ابن عمر قال “كنا نتحين، فإذا زالت الشمس رمينا”

 

واستدل أبو حنيفة في رواية، وعطاء وطاووس بأن فعل الرسول صلى الله عليه وسلم يحمل على السنية والندب، إذ لا دلالة للفعل المجرد على الوجوب، إضافة إلى أن في ذلك رفع الحرج والتيسير على الناس الذي أكد عليه الرسول صلى الله عليه وسلم حيث سئل في أيام منى عدة أسئلة فقال فيها “لا حرج” كما سبق، واستدلوا كذلك بالقياس على الرمي في يوم النحر بجامع إن كل هذه الأيام الأربعة يوم نحر، ورمي في الجملة، ومن جانب آخر فإنه لا يوجد نص صريح على منع الرمي فيها قبل الزوال، ومن المعلوم ان الواجب لا يثبت إلا بدليل صريح بل يؤكد هذا المعنى الأدلة السابقة، وأما عن مدى جواز الرمي قبل الزوال في أيام التشريق الثلاثة، فإن المسألة ليست مسألة قطعية مجمعا عليها بين الفقهاء، وإنما الخلاف فيها خلاف معتبر بين جمهور الفقهاء، وجماعة من الفقهاء الكبار، وهكذا عبر الفقهاء عن هذا الخلاف ولم ينفوا هذا الخلاف مما يدل على قوته واعتباره.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى