مقال

الدكروري يكتب عن بناء الإنسان أصل بناء الوطن ” جزء 6″

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن بناء الإنسان أصل بناء الوطن ” جزء 6″

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

وأن مما شاع في مجتمعاتنا ويعتبر آفة ما زلنا نعاني منها إلى اليوم هو تدني النظرة إلى قيمة العمل اليدوي أو المهني، ونقول ذلك لأنه للأسف الشديد اصبح الشعب يتاجر فى بعضه، فمن مريض الى جائع الى فاسد الى عاطل، كل هؤلاء اعطوا الفرصة لصاحب الصيدلية والمطعم والكباريه والقهوة ان يقيموا على انقاضهم مشاريع ناجحة، فنقول ذلك لاننا اصبحنا شعبا يريد ان ينجح دون مذاكرة، ويريد ان يكسب مالا وهو جالس على النت فى البيت، ويريد ان يتزوج العفيفة وهو متحرش، بل يريد ان يموت ساجدا وهو لا يصلى فأين العمل؟ فإن أردنا ان نبني وطنا جديدا، فلنحذر من الفتن، فإن الفتن الآن كثيرة ولا أبالغ إن قلت إننا نعيش الآن فعلا زمان الفتن، ففي عهد النبي صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين من حديث أسامة بن زيد رضي الله عنهما قال ” أشرف رسول الله صلى الله عليه وسلم على قضم من قضام المدينة، ثم قال عليه الصلاة والسلام لأصحابه “هل ترون ما أرى؟ إني لأرى الفتن تقع خلال بيوتكم كوقع القطر”

 

وهذا في عهد الصحابة، فهذه الفتن الكثيرة التي ربما يفقد الإنسان فيها دينه بين عشية وضحاها، كما في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة رضى الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال “بادروا بالأعمال فتنا كقطع الليل المظلم يصبح الرجل مؤمنا ويمسي كافرا” يضيع دينه في عشية واحدة، ويبيع دينه من أجل دنيا حقيرة زائلة، ويبيع دينه من أجل دنيا غيره يبيع دينه بعرض من الدنيا، فالنبي الكريم صلى الله عليه وسلم يحذرنا من أن ننهض لهذه الفتن أو أن نمشي فيها أو أن نوقظها، فالفتن نائمة لعن الله من أيقظها ولعن الله من أشعل نارها، فإن الفتن لا يُسمع فيها إن اشتعلت نيرانها،لا يُسمع فيها صوت العلماء، ولا صوت الحكماء ولا صوت العقلاء، لإن العلماء يرون الفتن قبل أن تقع ويحذرون منها، أما الجهلاء ورعاع القوم لا يتحدثون عن الفتن إلا بعد رحيلها بعد ما تدمر الأخضر واليابس، لذا يقول النبى صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين.

 

من حديث أبي هريرة رضي الله عنه “ستكون فتن” اللهم اعصمنا منها يا أرحم الراحمين “ستكون فتن القاعد فيها خير من القائم والقائم فيها خير من الماشي والماشي فيها خير من الساعي ومن تشرف لها تستشرفه” يعني من عرض نفسه لها ستهلكه الفتن، وإن الفتن تدمر الدين ويفقد فيها الإنسان دينه، والفتن تدمر البلد وتحرق الوطن ويقول تعالى “وجعلنا بعضكم لبعض فتنة” أتصبرون؟ وقال تعالى ” وكان ربك بصيرا” وهو سبحانه وتعالى القائل ” ونبلوكم بالشر والخير فتنة وإلينا ترجعون” وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم “مثل القائم على حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة فوقع بعضهم أعلاها ووضع بعضهم في أسفلها فكان الذين في أسفلها إذا استقوا الماء مروا على من فوقهم فقالوا لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقا حتى لا نؤذي من فوقنا” قال ” لو تركوهم وما أرادوا لهلكوا جميعا” رواه البخارى.

 

ولو ترك من ينزلون السفينة من أعلاها أولئك الذين نزلوا في قاع السفينة لو تركوهم يخرقون خرقا في قاع السفينة ليحصلوا على الماء بيسر وسهولة من القاع مباشرة حتى لا يؤذوا من فوقهم بالمرور عليهم ذهابا وإيابا لو تركوهم يفعلون ذلك لهلكوا جميعا، لهلك من نزل في أعلى السفينة وهلك من نزل في أسفل السفينة “لو تركوهم وما أرادوا لهلكوا جميعا ولو أخذوا على أيديهم” وهذا هو المنطق منطق الشرع والعقل “لنجوا ونجوا جميعا” وهذا الحديث الشريف يقرر سنة من سنن الله سبحانه وتعالى في الكون، وأصلا من الأصول العظيمة، وهو تكافل أفراد الأمة وتضامنهم، وتعاونهم في سبيل تثبيت دعائم الحق والخير والفضائل، والقيام على حراسة هذه الأصول والقضاء على أهل الباطل والشرور والرذائل، وإلا فلا قيام لحق، ولا استقرار لفضيلة، ولا دوام لعزة وسلطان، فانظر كيف كانوا يبررون لفعلهم بانهم لا يريدون الاذى وهم لا يفعلون الا الاذى.

 

وهكذا يكون المفسد باسم الدين، لذا وجب الوقوف ضد هؤلاء وفي ذلك دلالة على أن الناس إن منعوا الفاسق عن فسقه، نجا ونجوا معه، وإن تركوه يفعل المعصية ولم يردعوه، نزل بهم عذاب الله تعالى وهلكوا جميعا، فيقول الله سبحانه وتعالى ” واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة” وهذا ما أكده النبي صلى الله عليه وسلم حينما سُئل “أنهلك وفينا الصالحون؟” قال “نعم، إذا كثر الخبث” رواه البخاري، فلا يجوز للعقلاء والعلماء والحكماء أن يتركوا السفهاء يشعلوا ويغرقوا سفينة المجتمع، وليعلم من تسوّل له نفسه، ومن يزيّن له الشيطان العبث بأمن هذه البلاد واستقرارها ومن يقترف جريمة التخريب والإرهاب والإفساد في الأرض فقد وقع في هاوية المكر والخيانة، واكتسب جرما يخزيه أبدا، وسيلقى جزاءه الأليم الذي قدره الله تعالى له، سواء كان هذا المخرب مسلما أو غير مسلم، لأن هذا التخريب والإفساد يقتل ويصيب نفوسا معصومة محرمة الدم والمال من المسلمين، أو غير المسلمين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى