مقال

الدكروري يكتب عن الوطن هو الأم الحنون

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن الوطن هو الأم الحنون

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

إن الوطن لا يريد من أبناء شعبه أن يكتبوا اسمه ويعلقوه تميمة في صدورهم، بل يُريد منهم أن يبقى الأولوية في حياتهم في كل شيء، وأن يكون العطاء له غير محدود أبدا، ومهما قست الظروف يبقى الوطن حنونا وادعا، حتى أن القلب لا يشعر بالراحة والسكينة إلا فيه، فهو شيء متعلق بالروح قبل الجسد، وحبه يسري في العروق مع الدماء، ويكون حب الوطن بأن يجد أبناءه ويجتهدوا ويصنعوا لنفسهم مكانة بين باقي الشعوب، لأن الوطن مثل الأم الحنون التي تفتخر بإنجاز أبنائها، وكلما أعطى الأبناء أكثر، زادهم الوطن أكثر فأكثر، فهو في الولادة يمنحك اسمه وانتماءه وعاطفته، وفي الحياة يمنحك الأهل والبيت والسكن والتعليم، وفي الموت يحتوي أبناءه بترابه ويضمهم إليه إلى أن يشاء الله، لذلك يلتصق الوطن بكل ما يخص أبناءه من المهد إلى اللحد، ولطالما تغنى الشعراء والأدباء بالوطن، ولطالما قيلت فيه أعذب القصائد والحكم والتوصيات.

 

لكن مهما قيل فيه، تبقى الأبجدية مقصرة في وصفه، فلا أحد أبدا يستطيع أن يصف جنته ويوفيها حقها، لذلك فليكن الوطن دوما في القلب والوجدان، وإن الوطن اصطلاحا هو المكان الذي ولد فيه الإنسان ونشأ فيه، ويتشابه هذا المعنى بالتعريف اللغوي لهذه الكلمة، ولكن مفهوم الوطن بالمعنى الحالي كما يعلمه المواطن هو البلد الذي يسكنه المرء، ويرتبط به، وينتمي إليه، ويحصل على الجنسية منه، أي أن مفهوم الوطن بدأ من المنزل، ثم الحيّ، وتوسع حتى شمل المدينة، وتوسعت الرقعة حتى أصبح داخل حدود جغرافيّة مرسومة على الأرض وعلى الخريطة، ويطلق على الشخص الذي يسكن هذا الوطن اسم المواطن، ويربطه به مفهوم الوطنية، والوطنية تعني حب الوطن، والنضال لأجله، والقتال في سبيله، والولاء والإخلاص له، فهذه من حقوق الوطن على المواطن، الذي يجد المواطن فيه الأمن والاستقرار، وتوفر حاجاته الأساسية من ماء وغذاء.

 

وإن حب الوطن ينتقل بالوراثة من جيل إلى جيل بهدف إلى الحفاظ على الأرض التي يسكنوها، فالكثير من الشعوب ناضلت وقاتلت وقدمت الكثير من أبنائها تضحية في سبيل أمن الوطن، وإن الوطن في الاصطلاح يُقصد بالوطن الأرض التي يولد فيها الإنسان، وينشأ فيها، ويترعرع في أكنافها، ويتزوج فيها، وهو المكان الذي يحتوي مجموعة من عبق الذكريات التي لا يمكن نسيانها، وبالتالي فإن الوطن هو بمثابة الذاكرة للإنسان، حيث قال الجاحظ كانت العرب تحمل معها تربة من بلادها أو رملا أو عفرا إذا غزت، أو سافرت وذلك من أجل أن تستنشقه، ولا يقتصر معنى الوطن على مكان النشأة والمولد، وإنما هو مكان العيش والإقامة، فالنبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم استوطن المدينة المنورة بعد هجرته من مكة المكرمة مكان ولادته، فيجب تنمية الشعور المتعلق بمحبة الأوطان، ويمكن تنمية هذه المحبة من خلال تربية الإنسان على استشعار فضل الوطن.

 

ومجازاة الوطن بالإحسان، وكذلك مدّ جسور المحبة والمودة بين أبناء الوطن الواحد، والحرص على إيجاد جو من الألفة والأخوة بين أبناء الوطن، وغرس قيم الانتماء الإيجابي للوطن في النفوس، وتوضيح معاني حب الأوطان، والسعي نحو العيش الكريم على تراب الوطن، ويمكن تحقيق ذلك من خلال أداء كل مواطن لواجباته تجاه وطنه، وأيضا تربية الأبناء على حماية ممتلكات الوطن، والحفاظ على مرافقه، وأمنه، وكذلك المساهمة في خدمته بالقول والعمل والفكر، والوقوف في وجه أي شيء يُخلّ بأمن وأمان الوطن، والعمل على رد ذلك بمختلف الإمكانيات والسبل المتوفرة، والدفاع عن الوطن بمختلف السبل قولا وفعلا، حيث تعرف الوطنية بالشعور وبالتعلق والالتزام لبلد أو أمة أو مجتمع سياسي، وقد يكون المرادف لها ما يسمى بحب الوطن، أما كلمة القومية فهي الولاء لأمة واحدة، إلا أنه أصول الوطنية ترجع إلى حوالي ألفين سنة قبل ظهور القومية في القرن التاسع عشر.

 

حيث إن دولتي اليونان والرومان خاصة في العصور القديمة هما من أعطتا الجذور للوطنية السياسية التي تصور الولاء للوطن كولاء للفكر السياسي للجمهورية، كما ارتبط مفهومها بحب القانون والحرية المشتركة والعمل من أجل المصلحة العامة، وواجب التصرف بشكل عادل تجاه الوطن، فهذا المعنى الروماني الكلاسيكي للوطنية ظهر مجددا في كلام رجال الأدب في المدينة الإيطالية في القرن الخامس عشر، حيث أن كلمة الوطنية تمثل الحرية المشتركة لسكان المدينة، ويمكن تقسيم الوطنية إلى نوعين هما الوطنية المتشددة، والوطنية المعتدلة، حيث تدعي المتشددة أن الولاء الوطني هو المصدر الوحيد لأي مطالب أخلاقية ذات مغزى، لذا فإن محتوى الوطنية هو دائما خاص أو محلي، فالولاء الذي يطالب به الوطنيون هو ببساطة عبارة عن أي قيم تُعتبر مهيمنة داخل دولة أو مجتمع، كما ظهر الجزء الأكبر من الكتابات الأخيرة عن الوطنية ضمن الفئة المعتدلة حيث تحاول التوسط بين العالمية والمحلية.

 

وكذلك الوطنية لبلدان أخرى حيث توجد أمثلة تاريخية على الأفراد الذين قاتلوا من أجل استقلال بلادهم، وفي هذا الرأي لا يمكن للوطنية بحكم تعريفها أن تكون إلا تفضيلا للبلد الأم، وليس تفضيلا للمثل العليا التي يُعتقد أن بلدا ما تقف وراءها، بسبب ذلك تساهم مفاهيم أخرى عن الوطنية في السماح للإنسان الوطني الحقيقي أن ينتقد بلده بسبب فشلها في الارتقاء إلى المثل العليا، كما يمكن أن يصبح وطنيا للدول الأخرى التي تتطابق قضاياها مع قضاياه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى