مقال

الأقرباء يتزاورون و لا يتجاورون “

جريدة الاضواء

” الأقرباء يتزاورون و لا يتجاورون “

بقلم حسين عبد اللطيف

” الغيرة، و المنافسة و الحسد “

ورد الحسد في الكتاب و السنة على وجهين ، فأحدهما غير محرم، و بعضه فرض،و بعضه فضل، و بعضه مباح، و بعضه يخرج إلي النقص و الحرام. أما الوجه الاخر من الحسد فكله حرام، و لا يخرج إلا إلي ما لا يحل، فالحسد الذي ليس بمحرم هو المنافسة، ففي المنافسة غيرة و حسد. قال عز و جل:” و في ذلك فليتنافس المتنافسون ” و لا تكون المسابقة و لا المنافسة إلا أن يسابق العبد غيره. و فيما رواه أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:” لا حسد الا في اثنتين رجل علمه الله القرآن، فهو يتلوه آناء الليل، و آناء النهار، فسمعه جار له، فقال: ليتني أوتيت مثل ما أوتي فلان، فعملت مثل ما يعمل، و رجل آتاه الله مالا فهو يهلكه في الحق، فقال رجل:ليتني أوتيت مثل ما أوتي فلان، فعملت مثل ما يعمل” 

و قال سبحانه و تعالى:” أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله ؟ ” و قال عز و جل :” و ما تفرقوا الا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم ” قيل في التفسير: بغيا بينهم: أي تحاسدوا و اختلفوا و تفرقوا، حسدا بينهم، كل أراد أن يكون له الرفعة و الرياسة و ألا يكون تابعا لغيره، فتركوا الحق و عاندوه حسدا بينهم.

 روي عن وهب بن منبه : أن الله عز و جل قال لموسى عليه السلام: ” الحاسد عدو لنعمتي، راد لقضائي، ساخط لرزقي الذي قسمت لعبادي غير ناصح لهم. ” و قال صلى الله عليه وسلم:” لا تحاسدوا و لا تباغضوا و لا تدابروا و كونوا عباد الله إخوانا “. و قال صلى الله عليه وسلم محذرا: ” دب اليكم داء الأمم: الحسد و البغضاء “

و قد روي عن أنه قيل له : أيكون المؤمن حسودا. قال: لا أبا لك. ما أنساك بني يعقوب فعلوا بأخيهم ما فعلوا ، إلا حسدا. فقد عبروا بألسنتهم عما في قلوبهم من حسد فقالوا: ” ليوسف و أخيه أحب إلي أبينا منا و نحن عصبة، أن أبانا لفي ضلال مبين، اقتلوا يوسف أو اطرحوه أرضا يخل لكم وجه أبيكم” كرهوا خصوصية أبيه بالحب له و تفضيله إياه عليهم.

 و الحسد كراهة النعمة و حب زوالها عمن أنعم الله عليه فإذا رأى النعم بغيره في كثير من الناس من قرابته أو أشكاله أو من يماثلهم من هم فوقه أو دونه لا تسخو نفسه بالخير لهم، حتى في الحب و الصحبة يتحاسد الصاحبان في الحب و المنزلة عند من يصاحبانه فكلاهما يود أن يكون الحب و المنزلة له عنده دون صاحبه.

روي أن عمر رضي الله عنه كتب إلي أبي موسى: ” إن الأقرباء يتزاورون و لا يتجاورون” و كذلك من دنا من القرابة أسرع إليه بالحسد ممن تباعد عنه، فالقرب من المجاورة يجعل الغيرة و المنافسة بل و الحسد من بعضهم إلي بعض أسرع منه إلي غيرهم.

كذلك الشركاء في عمل واحد و منصب واحد. و من النساء الضرائر و السلايف و العدايل كذلك كل المشتركات من الأمور. بل و يتحاسد بنو الام و الاب و بنو الاعمام و الأخوة أكثر ذلك دون سائر الناس. فيحسد بعضهم بعضا و يكاد لا يحسدون غيرهم من الغرباء.

بل إن جميع إساءة العباد بعضهم إلي بعض حسدا بينهم، و معاصي العباد بعضهم في بعض حسدا، فلم يعص أحدا في أحد إلا بحسده، و هذا ما لا يقول به أحدا، فالحسد بالقلب لا بالجوارح. ذلك قوله سبحانه ” ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارا حسدا “.

أما اسوأ الحسد ما كان عن الحقد و البغضاء فهو أشد الحسد هؤلاء الذين قال سبحانه فيهم: ” أن تمسسكم حسنة تسوهم و أن تصبكم سيئة يفرحوا بها “.

بسم الله الرحمن الرحيم: ” قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ، مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ، وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ، وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ، وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ.”. صدق الله العظيم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى