مقال

الدكروري يكتب عن إياكم والتدخين 

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن إياكم والتدخين

بقلم / محمـــد الدكـــروري

إن الامتحان والاختبار في الدنيا هو المراد من التمليك المؤقت لما أعطاك الله عز وجل، وجعل كل ما في الدنيا أداة من أدوات الامتحان، ولأن الامتحان هو المقصود من الحياة فإن الله تعالي لم يرغم الناس على عبادته بل استخلفهم على الأرض، وأرسل إليهم رسلا ورسالات، وطلب منهم أن يخضعوا لأمره، وأن يطيعوه ويعبدوه باختيارهم في المهلة المعطاة لهم على الأرض، وإن الله سبحانه وتعالى يبتلينا ليذكرنا بذنوبنا وليزيل القسوة عن قلوبنا لعلنا أن نرجع إلى الله عز وجل فنقف ببابه ونتضرع إليه ونستكين له ونقبل عليه ليسمع تضرعنا وشكوانا ويرى صبرنا ورضانا بما قدره الله علينا فلنحسن الظن بالله ولنجعل أملنا فيه جل جلاله سبحانه وتعالى، فعليكم بتقوى الله ومراقبته وترك الغش والخيانة ولنأخذ بأسباب النجاح والفوز فإن نوفق فلنحمد الله على فضله ونشكره على نعمه ونسأله المزيد من جوده وكرمه ولا نغتر بأنفسنا أو جهدهنا أو ذكائنا.

 

فإنه لا حول ولا قوة للعبد إلا بالله تعالي وإن وجدنا عكس ذلك فلنحمد الله على كل حال ونشكره في كل الأحوال، فإن الإنسان الذي يسعى للحصول على حياة صحية سليمة وخالية من أي مرض، ويجب عليه الإقلاع عن عادة التدخين، واتباع كافة الطرق والوسائل التي تساعده على التخلص من هذا الوباء المدمر لحياته، وإن هذه الأمة التي اختار لها الله تعالى أن تكون أمة طيبة، طاهرة، نقية تقية، منزهة عن كل خبث وفساد وقبح وقذارة، هذه الأمة التي أرادها الله كذلك قد ابتليت بكثير من الأمراض الخبيثة والعلل القبيحة والعادات السيئة والظواهر الفاسدة، وكأنها قد عمي بصرها عن قوله تعالى “ولا تتبدلوا الخبيث بالطيب” ولعل ظاهرة التدخين تعتبر أكثر الظواهر والعادات انتشارا بين أفراد الأمة، حيث أصبحت متفشية بين أفراد المجتمعات على اختلاف مستوياتهم وأعمارهم صغارا وكبارا، رجالا ونساء، شيبا وشبابا، مثقفين وأميين، فقراء وأغنياء.

 

ولم ينجو من هذه البليّة إلا من غلب الإرادة على الهوى، والعقل على العاطفة، والمصلحة على المفسدة، ولايختلف اثنان من العقلاء في أن التدخين بجميع أنواعه خبث من الخبائث، مُضر بالنفس والبدن، هالك للصحة، مضيع للمال، مفسد للأخلاق، مخرب للبيوت، مشتت للأسر، وقد اتفق العلماء على أن التدخين فحش من الفواحش التي وجب الابتعاد عنها امتثالا لأمر الله تعالى الذي يقول في محكم التنزيل كما جاء فى سورة الأنعام “ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن” وقال الله تعالى في ” قل لا يستوى الخبيث والطيب ولو أعجبك كثرة الخبيث فاتقوا الله يا أولى الألباب لعلكم تفلحون” فمن حكمة الله تعالى أن خلق المتضادات في هذه الحياة، من الطيب والخبيث، والصالح والفاسد، والمؤمن والكافر، والضار والنافع، ليتم الابتلاء والامتحان للعباد، ففي هذه الآية الكريمة نفي المساواة بين الخبيث والطيب ” قل لا يستوى الخبيث والطيب”

 

وهذا يشمل الخبيث من الأشخاص، والخبيث من الأعمال، والخبيث من الأقوال، والخبيث من الأموال، والخبيث من المآكل والمشارب، فلا يستوي الخبيث والطيب من هذه الأشياء ولا من غيرها، فلا يستوي الخبيث والطيب من الأشخاص، وأن تناول الطيبات من المآكل والمشارب له تأثير طيب على القلب والبدن والسلوك، وكذلك تناول الخبائث من المآكل والمشارب له تأثير سيئ على القلب والبدن والسلوك، فقال الله تعالى فى سورة المؤمنون ” يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا إنى بما تعملون عليم” وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” إن الله تعالى طيب ولا يقبل إلا طيبا، وإن الله تعالى أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين، فقال تعالى فى سورة البقرة ” يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم واشكروا لله إن كنتم إياه تعبدون”

 

ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر، يمد يديه إلى السماء، يا رب يا رب، ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام، فأنى يستجاب له” رواه مسلم، وإن التدخين خبيث بكل ما تحمله الكلمة من معنى، خبيث في الرائحة، خبيث في الآثار على الإنسانِ عموما، لو عاد الإنسان إلى عقله وفكر وتأمل، وأما ضرره على البدن، فإنه يضعف البدن، ويضعف القلب، ويحدث مرض السرطان والسلّ والسعال، ويفضي إلى الموت، فكم من إنسان أنهك جسمه، وأفسد صحته، وقتل نفسه بما تعاطاه من هذا الدخان، ولا تغتروا بما يُرى من بعض الناس الذين يشربونه وأجسامهم سليمة، فإن هؤلاء المدخنين ليسوا بحسب مظهرهم، واسألهم ماذا يحدث لهم من قلة الشهية، وكثرة السعال، والنزلات الصدرية، والفتور العام، حتى في علاقته الجنسية مع زوجته، مما جعل التدخين سببا ضمن قائمة أسباب ظاهرة الطلاق.

 

والتعب الشديد عند أقل عمل وكلفة، وأما عن آثار التدخين على الفرد من الناحية الدينية، فقد قال الله عز وجل فى سورة المائدة ” إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء فى الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون” فذكر الله تعالى أن من أسباب تحريم الخمر والميسر الصد عن الذكر وعن الصلاة، وهذه العلة هي متحققة أيضا في الدخان، لأن شاربه في العادة يهرب عن حلق الذكر، والقراءة ويألف اللهو، والباطل عادة، وهو غالبا من أكسل الناس عن الصلاة, وأبعدهم عن حضور المساجد إلا ما شاء الله، ومن صلى منهم رأيت عليه آثار التثاقل، فهو لا يأتي الصلاة إلا دبارا، وهكذا سائر العبادات، وبالأخص الصيام، فإنه أثقل على المدخنين من غيره، لأنهم به ينفطمون عن لذتهم وسلوتهم، وهي التدخين، وينالهم بتركه آلام وصعوبات نفسية، أما ضرر التدخين في المال، فاسأل من يشربه.

 

ماذا ينفق كل يوم في شربه؟ ولو كان ينفق هذا المال فيما يعود عليه وعلى أهله بالنفع من الطعام الطيب والشراب الحلال واللباس المباح، لكان ذلك خيرا له في دينه ودنياه، ولكنه ينفق الكثير في هذا الدخان الذي لا يعود عليه إلا بالضرر العاجل والآجل، وأما من يتاجر به، ويتكسّب به، حتى صاروا بعد الإعواز واجدين، وبعد الفقر مغتنين، فلبئس ما كسبوا حراما، واكتسبوا آثاما، وإنهم لأغنياء المال، فقراء القلوب، واجدون في الدنيا معدمون في الآخرة، وإنهم إن تصدقوا به لم يقبل منهم، وإن أنفقوه لم يبارك لهم فيه، وإن خلفوه كان زادا لهم إلى النار، أما عن أضرار التدخين على البيئة، فيعد دخان التبغ من أكثر عوامل تلوث البيئة، لاحتوائه على ذرات وغازات معظمها سام أو مؤذى، والتدخين يسبب التلوث الهوائي، وتساهم مخلفاته من علب السجائر الفارغة وأعقاب السجائر والكبريت في إفساد البيئة التي يعيش فيها الإنسان.

 

وكما يسبب تلفا للمفروشات، ويزيد من تكاليف التهوية والصيانة، للحفاظ على بيئة نظيفة وخالية منه، وأما عن أضرار التدخين الخلقية، فنتيجة لما يُحدثه الإدمان على التدخين من أمراض نفسية وجسدية، وخسارة مالية وغيرها دون فائدة، فإن متعاطيه يشعر بالقَلق والاضطراب النفسي، وتراكم الهموم، ولذلك تجد غالب المدخنين عابس الوجه، مُقطب الجبين، ضيق الصدر والأفق، خصوصا عندما يفقد هذه المادة ولو يسيرا ، لذلك تجده يثور ويغضب لأتفه الأسباب، وقد أثبت الأطباء أن الدخان يتكون من حوالي أربعة ألاف مادة سامة تؤدي كلها إلى تغيرات في الشكل والوظيفة لأغلب أعضاء جسم المدخن، وتؤثر تأثيرا هداما في أجهزته، ومنها مادة النيكوتين التي أثبت العلم أن بعض القطرات منها يمكن أن تقتل حيوانا، ومنها مادة تستعمل في إبادة الحشرات، وأخرى تمنع من نقل الأكسجين إلى أعضاء الجسم.

 

وأخرى تؤثر في القصبات الهوائية، وأخرى تؤدي إلى تكوين طبقة صفراء على سطح اللسان، وتؤذي غدد الطعم والذوق الموجودة على سطح اللسان، وتسبب في كثرة السعال، وتساعد على إصابة الجسم ببعض الأمراض كالزكام والتهاب الفم والحلق والبلعوم، ومنها أيضا مادة القطران التي تستعمل في تعبيد الطرقات، ولهذا كله، كان الدخان سببا في ضعف الذاكرة، وسببا في أمراض وسرطانات اللثة والأسنان، والفم والشفتين، واللسان والحلق والحنجرة، والصدر والرئتين، والجهاز الهضمي والجهاز التنفسي والجهاز العصبي، والقلب والشرايين، ويؤثر على النسل ويحدث تشوها في الذرية، ولقد أثبتت التقارير الطبية، أن مدخنا واحدا من بين كل مدخنين اثنين يموت بسبب التدخين، وأن المدخن معرّض ثلاث مرات أكثر لخطر السكتة القلبية، وأن التدخين يمكن أن يسبب في موت بطيء ومؤلم، وكثير من سرطانات الرئة.

 

بسبب التدخين، وأنه على رأس كل عشر ثوانى يموت شخص واحد في العالم بسبب التدخين، وهكذا فإن ظاهرة التدخين ظاهرة خطيرة تهدد حياة الأمة لأنها تزداد انتشارا، واتساعا في صفوف أفرادها، مما يفسد أخلاقهم ومزاجهم، ويحطم أجسامهم وعقولهم، ويضعف قوتهم، ويقلل من إدراكهم واستيعابهم، وإن معالجة هذا الوباء، والتخفيف من أخطاره وأضراره، والقضاء عليه، لهي مسؤولية الجميع، بدءا بالمدخن نفسه الذي ينبغي عليه أن يتحلى بتغليب الإرادة، وتقوية العزيمة، وربط الصلة بالله عز وجل، واستحضار مراقبته، والاستعانة به على ترك الدخان، فمن ترك شيئا لله أعانه الله على تركه، وعوضه خيرا منه، والابتعاد عن المدخنين وأماكن التدخين، ومصاحبة الصالحين، وملء أوقاته وفراغه بما ينسيه الدخان ويشغله عنه، وتخصيص بعض وقته لممارسة الرياضة، وغير ذلك من الأمور التي تساعده على ترك الدخان وتجنب أخطاره.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى