مقال

الدكروري يكتب عن شهادة الزور

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن شهادة الزور

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

إن الكذب خلق ذميم من اعتاده صعب عليه جدا أن يتخلص منه، لأن العادة طبع ثانى، وكل إنسان فيه طبع يولد من بطن أمه فيه، والعادة التي يتعود عليها الإنسان هو طبع ثانى وأنه يصعب تغيير الطباع، وقال بعض السلف “من استحلى رضاع الكذب عسر عليه الفطام” وإن هناك نوع من الكذب خطير جدا، إنه شهادة الزور، وكلكم يعلم أن حقوق العباد أساها المشاححة، بينما حقوق الله عزوجل أساسها المسامحة فالحياة لا تنتظم إلا بإحقاق الحق، إلا أن يعطى كل ذي حق حقه، فإن أحد الوسائل المعينة التي تبرز الحق، وإن أحد الوسائل التي تدعم الحق، وإن أحد الوسائل للتي يستند إليها الحق هي الشهادة، فقال تعالى في سورة البقرة ” ولا تكتموا الشهادة ومن يكتمها فإنه آثم قلبه” فقد تشهد حادثا و قد يُتهم السائق ظلما بأنه تسبب في قتل فلان، وقد رأيت رأي العين أن السائق بريء، وأن هذا الذي اتهم أن السائق قد تسبب في قتله هو الذي خالف الأنظمة.

 

إذا طلب منك هذا السائق أن تشهد بما رأيت وقلت له أنا ليس عندي وقت، لا أريد وجع الرأس، لا أحب هذه المتاهات، قال تعالى ” ولا تكتموا الشهادة ومن يكتمها فإنه آثم قلبه” فكم من دعوة باطلة تتهافت بشهادة صادقة، وكم من افتراء خطير يقوّض بشهادة صادقة، وكم من حق يُحق بشهادة صادقة، وكم من باطل يبطل بشهادة صادقة، فإن الله عزوجل جعل الشهادة هي أحد أركان القضاء، و جعل الشهادة هي أحد الوسائل المعينة لإظهار الحق وإبطال الباطل، فما قولكم برجل يستخدم هذه القيمة العظيمة العادلة الرائعة استخداما سيجعلها باطلا إنه شاهد الزور، لذلك الشيء الذي لا يُصدّق أن الله سبحانه وتعالى قال في سورة الحج ” فاجتنبوا الرجس من الأوثان واجتنبوا قول الزور” وكلكم يعلم أن العطف يقتضي التجانس، فالله عزوجل جعل عقوبة شاهد الزور كعقوبة عابد الوثن، لأن شاهد الزور ضيّع الحق، ودعّم الباطل، لأن شاهد لزور أورث الأحقاد.

 

لأن شاهد الزور ضلل القاضي، لأن شاهد الزور غيّر الحق، لذلك في الإسلام بعض الآثام يُعاقب عليها المرء مرتين، فقال تعالى في سورة الأحزاب ” يا نساء النبي من يأت منكن بفاحشة مبينة يضاعف لها العذاب ضعفين وكان ذلك علي الله يسيرا” وقال العلماء هذا عقاب من كان قدوة لغيره، أي الأب حينما يكذب يُعاقب عن كذبه وعن كذب أولاده الذين قلدوه، والأم حينما تتبذل في ثيابها تعاقب مرتين، مرة عن تبذلها، ومرة عن تبذل ابنتها تقليدا لها، فكل إنسان يحتل موضعا قياديا، فالأب يحتل موضعا قياديا في أسرته، والأم، والمعلم، ومدير المستشفى، ومدير المدرسة، وكل إنسان أنيط به أمر مجموعة من الناس فهذا موضعه موضع قيادي، فإذا أساء فعقابه مضاعف، وإذا أحسن فأجره مضاعف، له أجره وأجر من عمل بعمله إلى يوم القيامة، العلماء قالوا شاهد الزور يرتكب جريمتين الجريمة الأولى أنه عطل هذه الوسيلة التي شرعها الله عزوجل.

 

لإحقاق الحق وإبطال الباطل، فعطلها، وثانيا استخدمها استخداما معاكسا، حينما كانت دعما للباطل، وتضليلا للقاضي، دعما للباطل، وتضليلا للقاضي، فهذا كذب من أشنع أنواع الكذب، لأنه كذب متعلق بحقوق البشر، وكلكم يعلم أن هناك يمين لغو مثل لا والله، وإي والله، هذه يمين لغو، وهناك يمين منعقدة حينما تنوي أن تحلف اليمين، وتحنث باليمين فعليهم كفارة، إما أن تصوم ثلاثة أيام، وإما أن تتطعم عشرة مساكين، إلى آخر الآية، أما يمين الغموس حينما تحلف على شيء لتنقل الحق من فلان إلى فلان، فإن هذه اليمين لا كفارة لها، لأنها تغمس صاحبها في النار، وهذه اليمين يحتاج صاحبها إلى أن يجدد إسلامه، فانظر كم هي الحقوق عند الله عظيمة، حينما قال الله عزوجل في سورة إبراهيم ” يدعوكم ليغفر لكم من ذنوبكم” وهذه ” من” للتبعيض، وقال علماء التفسير الله يغفر بعض الذنوب التي بينه و بين عباده، أما الذنوب التي لها علاقة بالعباد فلا يغفرها إلا العباد.

 

فتوجّه إلى من له حق عليك إما أن تعطيه حقه وإما أن يعفو عنك، وإما أن تفعل شيئا من هذا القبيل، فشاهد الزور يُعاقب مرتين بأنه عطل وسيلة نافعة لإحقاق الحق، وعطل وسيلة نافعة لإرشاد القاضي، وجعل من هذه المهمة المقدسة أداة لتزوير الحقائق، ولتضليل القاضي، ولدعم الباطل، فلذلك قال تعالى في سورة الحج ” فاجتنبوا الرجس من الأوثان واجتنبوا قول الزور” وقد نبّه النبي صلي الله عليه وسلم إلى هذه الآية، فعن أيمن بن خزيم أن النبي صلي الله عليه وسلم قام خطيبا فقال” يا أيها الناس عدلت شهادة الزور إشراكا بالله ثم قرأ رسول الله صلي الله عليه وسلم ” فاجتنبوا الرجس من الأوثان واجتنبوا قول الزور” رواه الترمذي، وقد وصف الله المؤمنين بأنهم لا يشهدون الزور، فقال تعالى في سورة الفرقان ” والذين لا يشهدون الزور وإذا مروا باللغوا مروا كراما” ومقولة الإمام علي كرم الله وجهه حينما وضع أربع أصابع على صدغه الأيمن.

 

وقال بين الحق و الباطل أن تقول سمعت أو أن تقول رأيت ” شاهد الزور لا ينبغي أن يقول سمعت، شاهد، هل رأيت بعينك ؟ بين الحق والباطل أربع أصابع، بين أن تقول رأيت أو سمعت، والحديث الشهير الصحيح الذي رواه الإمام البخاري و مسلم، فعن عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه رضي الله عنه قال، قال النبي صلي الله عليه وسلم ” ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ ثلاثا، قالوا بلي يا رسول الله، قال الإشراك بالله وعقوق الوالدين وجلس وكان متكئا فقال ألا وقول الزور، قال فما زال يكررها حتي قلنا ليته سكت” وهو إشفاقا عليه صلي الله عليه وسلم، فشهادة الزور هي أحد فروع الكذب الخطيرة، واليمين الغموس هو أحد فروع الكذب الخطيرة، وأن تضحك الناس فتكذب هو أحد فروع الكذب الخطيرة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى