مقال

الإتفاق والتوافق حول القضايا

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن الإتفاق والتوافق حول القضايا
بقلم / محمـــد الدكـــروري
اليوم : السبت الموافق 10 فبراير 2024

إن الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مُضلّ له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله، وأصحابه، وسلم تسليما كثيرا ثم أما بعد إن أنجع الوسائل للتربية تلك التي يراها أبناؤنا وفلذات أكبادنا في أفعال آبائهم وسلوكهم، فيفعلون ما يفعله الآباء تقليدا ابتداء، واستنانا لمّا يكبرون انتهاء، وأول هذه الأخلاق التي على الوالدين غرسها في أولادهم الصدق ومراقبة الله في السر والعلن، فلا خُلق ولا رفعة للكاذب، ولا للذي يظهر أمام الناس الصلاح، فإذا خلا إلى نفسه أتى كل قبيح، كما أن التربية الحسنة تقتضي أن لا نحمل أبناءنا على كل حسن دفعة واحدة، لأن النفس ملولة والشيطان يزيغها بالاستدراج.

لذا فهي تنقاد له، ولهذا فليس عيبا أن نرى في سلوك أبناء المسلمين بعض الهنات لأن هذا لا يستقيم إلا مع مرور الزمن وطول التربية والصبر على ترويض النفس، على أننا لا نتصور التربية ضربا ومشقة وحدّة، فهذا ينفّر الأبناء، ولكن خير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، الرؤوف الرحيم بالمؤمنين، الذي ما نهر أنس بن مالك رضي الله عنه ولا قال له لشيء فعله لِما فعلته، ولا لشيء تركه لِما تركته، فقد كانت حياته كلها دروسا ومواعظ، فلم يحتج مع هذا إلى كثير كلام ولا إلى عصا يرعب بها الكبار ولا الصغار، ولنا فيه خير أسوة، وإن احتجنا أحيانا للقسوة فليس إلى حد الضرب المبرح، فقد جعل الله لكل شيء قدرا، وإنه لا تستطيع أمة من الأمم تحمل رسالتها للعالم إلا إذا وصل أفرادها إلى قدر مشترك من الاتفاق والتوافق.

حول القضايا الأساسية لهذه الأمة والتربية وحدها هي القادرة على تكوين ذلك القدر المشترك من الاتفاق والتوافق بين أفراد الأمة، بل إن التربية هي التي تتحمل المسؤولية الكبيرة في بلورة رسالة الأمة، وفي غرس الولاء لتلك الرسالة، وفي إطار الولاء للرسالة تتلاحم الأمة وتترابط وتتماسك فتصبح كالكتل الصخرية التي تتحدى الأمواج العاتية، والأمة الإسلامية تحمل رسالة عظيمة تعلن بها ميلاد الإنسان الجديد، والإنسان المتحرر المتطهر الكريم، هو الإنسان الذي لا إله له إلا الله، سبحانه وتعالي ولا معبود له إلا الله عز وجل، ولا حاكم له إلا الله، وهذه الرسالة التي عبر عنها في بساطة عجيبة، ربعي بن عامر رضي الله عنه رسول قائد المسلمين إلى رستم قائد الفرس وهذا يسأله ما الذي جاء بكم؟

فيجيبه للتو واللحظة في هذه البساطة الجامعة الله ابتعثنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة الله وحده ومن ضيق الدنيا إلى سعتها ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، ولا شك أنه ما كان لرجل من عامة المسلمين أن يتحدث عن رسالة أمته عفو الخاطر، بهذه البساطة العابرة إلا أن تكون التربية التي أخرجته تربية شاملة وشامخة، تربية تجعل من رسالة الأمة حقة مستقرة في نفس الفرد استقرار الفطرة المكينة العميقة، ونسأل الله أن يصلح ذريات المسلمين حتى يكونوا هداة مهتدين، ينصرون هذه الأمة ويزيلون عنها ما خنق أنفاسها من الجهل والضلال، إنه ولي ذلك والقادر عليه، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى