مقال

نفحات إيمانية ومع النبى مربيا ومعلما ” 1″ 

نفحات إيمانية ومع النبى مربيا ومعلما ” 1″

بقلم / محمـــد الدكـــرورى

 

لقد ضرب لنا رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم أروع الأمثلة في القيم والمعاني الإنسانية والخلقية قبل البعثة وبعدها وقد شهد له العدو قبل القريب ونحن نعلم قول السيدة خديجة فيه لما نزل عليه الوحي وجاء يرجف فؤاده، بل إن الرسول صلى الله عليه وسلم صاحب الرسالة المحمدية كان مشهورا وملقبا في قريش قبل البعثة بالصادق الأمين، وأما بعد البعثة فقد شهد له ربه بقوله تعالى ” وإنك لعلى خلق عظيم” ولقد شهدت له زوجته السيدة عائشة رضي الله عنها وهي ألصق الناس به، وأكثرهم وقوفا على أفعاله في بيته، بأنه صلى الله عليه وسلم كان خلقه القرآن، وقال الإمام الشاطبى وإنما كان صلى الله عليه وسلم خلقه القرآن لأنه حكم الوحي على نفسه حتى صار في عمله وعلمه على وفقه.

 

فكان للوحي موافقا قائلا مذعنا ملبيا واقفا عند حكمه، فكان صلى الله عليه وسلم قرآنا يمشي على الأرض، إننا نحتاج إلى أن نربي إنسانا بمعنى الكلمة، نحتاج إلى زرع إنسان يبقى أثره مئات السنين كما قال أحدهم إذا أدرت أن تزرع لسنة فازرع قمحا وإذا أردت أن تزرع لعشر سنوات فازرع شجرة، أما إذا أردت أن تزرع لمئة سنة فازرع إنسانا، فيجب أن لا تفقدوا الأمل في الإنسانية لأنها محيط، وإذا ما كانت بضع قطرات من المحيط قذرة، فلا يصبح المحيط بأكمله قذرا، فعليكم بالإنسانية والرفق واللين والرحمة بجميع فئات المجتمع، الآباء والصبيان والأرامل والعجزة والأجراء وغير ذلك، فإننا نرى في النبى الكريم محمد صلى الله عليه وسلم الإنسان الحاني الرحيم.

 

الذي لا تفلت من قلبه الذكي شاردة من آلام الناس وآمالهم إلا لباها و رعاها، وأعطاها من ذات نفسه كل اهتمام وتأييد، نرى فيه الإنسان الذي يكتب إلى ملوك الأرض طالبا إليهم أن ينبذوا غرورهم الباطل، ثم يصغي في حفاوة ورضى إلى أعرابي حافي القدمين يقول في جهالة “اعدل يا محمد، فليس المال مالك، ولا مال أبيك ” ونرى فيه العابد الأواب الذي يقف في صلاته، يتلو سورة طويلة من القرآن في انتشاء وغبطة لا يقايض عليها بملء الأرض تيجانا وذهبا، ثم لا يلبث أن يسمع بكاء طفل رضيع كانت أمه تصلي خلفه في المسجد فيضحي بغبطته الكبرى، وحبوره الجياش، وينهي صلاته على عجل رحمة بالرضيع الذي كان يبكي، وينادي أمه ببكائه.

 

ونرى فيه الإنسان الذي وقف أمامه جميع الذين شنوا عليه الحرب والبغضاء، وقفوا أمامه صاغرين، ومثّلوا بجثمان عمه الشهيد حمزة بن عبد المطلب، ومضغوا كبده في وحشية ضارية، فيقول لهم، وهو قادر على أن يهلكهم اذهبوا فأنتم الطلقاء” ونرى فيه صلى الله عليه وسلم الإنسان الذي يجمع الحطب لأصحابه في بعض أسفارهم، ليستوقدوه نارا تنضج لهم الطعام، ويرفض أن يتميز عليهم، ونرى فيه الإنسان الذي يرتجف حين يبصر دابة تحمل على ظهرها أكثر مما تطيق، ونرى فيه الإنسان الذي يحلب شاته، ويخيط ثوبه، ويخصف نعله، ونرى فيه الإنسان، وهو في أعلى درجات قوته، يقف بين الناس خطيبا فيقول “من كنت جلدت له ظهرا فهذا ظهري فليستقد منه”

 

فكان صلى الله عليه وسلم يحمل عن العجوز، وإن كانت كافرة به ولم تكن تعرفه حتى إذا أوصلها لبيتها حذرته من اتباع من يدّعي النبوة، فأخبرها النبي صلى الله عليه وسلم أنه محمد بن عبدالله، وكان إذا ذبح شاة وأمر بتوزيع جزء منها على الجيران، لا ينسى أن يوصي “هل أهديتم إلى جارنا اليهودي؟” وتروي كتب السّير أنه صلى الله عليه وسلم بكى لما رأى جنازة مشرك، ولما سُئل عن سبب بكائه صلى الله عليه وسلم، قال “نفس تفلتت مني إلى النار” وتبلغ رحمته صلى الله عليه وسلم بأعدائه القمة السامقة عندما يتعرّض لإيذائهم، ففي هذه المواطن التي يفقد فيها الرحماء رحمتهم، عندما تعرّض للسباب والضرب من أهل الطائف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى