مقال

الدكروري يكتب عن توطيد أواصر الألفة 

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن توطيد أواصر الألفة

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

لقد حرص رسول الله صلى الله عليه وسلم،على توطيد أواصر الألفة والود مع أصحابه بمنحهم الألقاب والصفات، كوصفه الزبير بن العوام بحواريه، وأبو بكر وعمر بوزيريه، وعبيدة بن الجراح بأمين الأمة، ولقد حرص رسول الله صلى الله عليه وسلم، على تعزيز أواصر الصحبة والرفقة بمشاركة أصحابه في المأكل والمشرب، فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه، أنه قال ” كنت جالسا فى دارى، فمر بى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأشار إلى، فقمت إليه، فأخذ بيدى، فأنطلقنا حتى أتى بعض حجر نسائه، فدخل ثم أذن لى، فدخلت الحجاب عليها، فقال صلى الله عليه وسلم، هل من غداء؟ فقالوا نعم، فأنى بثلاثة أقرصة، فوضعهن أمامه، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم، قرصا، فوضعه فى يديه، وأخذ قرصا آخر، فوضعه بين يدى، ثم أخذ الثالث، فكسره باثنين، فجعل نصفه بين يديه ونصفه بين يدى.

 

ثم قال صلى الله عليه وسلم، هل من إدام؟ قالوا لا إلا شئ من خل، فقال صلى الله عليه وسلم، هاتواه، فنعم الأدم هو” رواه مسلم، ولقد حرص رسول الله صلى الله عليه وسلم،على إدخال البهجة والسرور على قلوب أصحابه الكرام بمشاركتهم المزاح واللهو، ومن ذلك مزاحه مع رجل اسمه زاهر بن حزام، وقد كان ذميما، حيث يروي أنس بن مالك رضي الله عنه القصة فيقول ” أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، يوما وهو يبيع متاعه، فاحتضنه من خلفه وهو لا يبصره، فقال، أرسلني، من هذا؟ فالتفت، فعرف النبى صلى الله عليه وسلم، فجعل لا يألو ما ألزق ظهره بصدر النبي صلى الله عليه وسلم، حين عرفه، وجعل النبي صلى الله عليه وسلم، يقول، من يشتري العبد؟ فقال يا رسول الله، إذا والله تجدني كاسدا، فقال النبى صلى الله عليه وسلم ” لكن عند الله لست بكاسد” وإن الرسالة المحمدية بجموعها رسالة إنسانية.

 

فقد جاءت لتراعي إنسانية الإنسان فيما تأمر به أو تنهي عنه، وإذا نظرنا إلى المصدر الأول للإسلام وهو القرآن كتاب الله، وتدبرنا آياته، وتأملنا موضوعاته واهتماماته، نستطيع أن نصفه بأنه، كتاب الإنسان، فالقرآن كله إما حديث إلى الإنسان، أو حديث عن الإنسان، ولو تدبرنا آيات القرآن الكريم كذلك لوجدنا أن كلمة الإنسان تكررت في القرآن ثلاثا وستين مرة، فضلا عن ذكره بألفاظ أخرى مثل بني آدم التي ذكرت ست مرات، وكلمة الناس التى تكررت مائتين وأربعين مرة في القرآن وكلمة العالمين وقد وردت أكثر من سبعين مرة والحاصل أن إنسانية الإسلام تبدو من خلال حرص الشريعة الإسلامية وتأكيدها على مجموعة من القضايا المهمة، ولعل من أبرز الدلائل على ذلك أن أول ما نزل من آيات القرآن على رسول الإسلام محمد صلى الله عليه وسلم خمس آيات من سورة العلق ذكرت كلمة الإنسان في اثنتين منها.

 

ومضمونها كلها العناية بأمر الإنسان، فقال الله تعالى فى سورة العلق ” اقرأ بسم ربك الذى خلق، خلق الإنسان من علق، اقرأ وربك الأكرم، الذى علم بالقلم، علم الإنسان ما لم يعلم ” وإذا نظرنا إلى الشخص الذي جسد الله فيه الإسلام، وجعله مثالا حيا لتعاليمه وقيمه الإنسانية، وكان خُلقه القرآن، نستطيع أن نصفه بأنه الرسول الإنسان وإذا نظرت في الفقه الإسلامي وجدت العبادات، لا تأخذ إلا نحو الربع أو الثلث من مجموعه، والباقي يتعلق بأحوال الإنسان من أحوال شخصية، ومعاملات، وجنايات، وعقوبات، وغيرها، وإن العبادات كلها فيها معاني إنسانية سامية فالزكاة المفروضة مثلا ليست ضريبة تؤخذ من الجيوب، بل فيها معاني إنسانية سامية، فهي غرس لمشاعر الحنان والرأفة، وتوطيد لعلاقات التعارف والألفة بين شتى الطبقات، وقد نص القرآن الكريم على الغاية من إخراج الزكاة بقوله تعالى فى سورة التوبة .

 

” خذ من أموالهم صدقه تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم ” وفي الصيام نعلم أن رمضان هو شهر الأخلاق ومدرستها، فهو شهر الصبر، وشهر الصدق، وشهر البر، وشهر الكرم، وشهر الصلة، وشهر الرحمة، وشهر الصفح، وشهر الحلم، وشهر المراقبة، وشهر التقوى، وكل هذه أخلاق إنسانية يغرسها الصوم في نفوس الصائمين وذلك من خلال قوله تعالى فى سورة البقرة ” يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون ” بكل ما تحمله كلمة التقوى من دلالات ومعان إيمانية وأخلاقية وإنسانية، وكذلك شعيرة الحج هى مدرسة أخلاقية وإنسانية فيجب على الحاج اجتناب الرفث والفسوق والجدال والخصام في الحج، فضلا عن غرس قيم الصبر وتحمل المشاق والمساواة بين الغني والفقير والتجرد من الأمراض الخلقية، ولقد ضرب لنا النبي صلى الله عليه وسلم أروع الأمثلة.

 

في القيم والمعاني الإنسانية والخلقية قبل البعثة وبعدها وقد شهد له العدو قبل القريب، وكان ذلك واضحا فى قول السيدة خديجة رضى الله عنها فيه صلى الله عليه وسلم لما نزل عليه الوحي وجاء يرجف فؤاده، فقالت له ” كلا والله ما يخزيك الله أبدا، إنك لتصل الرحم وتحمل الكل وتكسب المعدوم وتفرى الضيف وتعين على نوائب الحق ” بل إن الرسول صلى الله عليه وسلم صاحب الرسالة المحمدية كان مشهورا وملقبا في قريش قبل البعثة بالصادق الأمين، وأما بعد البعثة فقد شهد له ربه بقوله تعالى فى سورة القلم ” وإنك لعلى خلق عظيم ” ولقد شهدت له زوجته السيدة عائشة رضي الله عنها وهي ألصق الناس به، وأكثرهم وقوفا على أفعاله في بيته، بأنه صلى الله عليه وسلم” كان خلقه القرآن” وهكذا كانت الرسالة المحمدية رسالة إنسانية والرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم هو رسول الإنسانية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى