مقال

الدكروري يكتب عن توقير الكبير

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن توقير الكبير

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

يا أيها الناس اتقوا الله والزموا الحق فإن الله تعالى هو الحق، وقوله الحق ودينه الحق، ورسوله حق، ووعده حق، ولقاءه حق، والجنة حق والنار حق، فاثبتوا على الحق فإن الحق وأهله في الجنة، وإن الباطل وأهله في النار، ألا وإن الأعمار منتهية والحياة منقضية، ثم تردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون، فإن للثبات على الحق أسبابا وللضلال عنه أبوابا، فاطلبوا أسباب الثبات عليه واحذروا وفروا من أبواب الضلال عنه فإنه من يتحرى الخير يلقه، ومن يتوقى الشر يوقه، ومن لا يتحرى ولا يتوقى فإنه من الأخسرين الهالكين شرعا، وإن نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم يقول لنا “ليس منا من لم يوقر كبيرنا، ويرحم صغيرنا” ونبينا صلى الله عليه وسلم إذا تحدث عنده اثنان في أمر ما يبدأ بأكبرهما بالحديث، ويقول “كبّر كبّر” فيبدأ الأكبر قبل أن يبدأ الأصغر، هكذا خلق الإسلام، وهكذا رُبّي المسلمون على هذه التربية العظيمة.

 

أن يحترم صغارهم كبارهم، وأن يرحم كبارهم صغارهم، وأن تتبادل المنافع بين الجميع ليكون المجتمع المسلم مجتمعا مترابطا، متعاونا على الخير والتقوى، ولا سيّما رحمك، فالرحم لهم حق الصلة، فكبارهم يجب أن تحترمه لرحمه أولا، ثم لكبر سنه ثانيا، تقدره وتقدمه، وتربي الصغار على احترام الكبار، لا تدع الصغير يتخطى حده، ولا تدع الصغير يبسط لسانه بالبذاءة أو السخرية، ولا تدع الصغير يتقدم على الكبير بل ألزمهم الأدب الحسن ليعرف بعضهم قدر بعض، وهكذا الأبناء أيضا، أبناؤك تربيهم على هذا، ليكون صغيرهم محترما لكبيرهم، وليكون كبيرهم رفيقا بصغيرهم، فإذا علم الأبناء منك أنك تقدم الأكبر فالأكبر، وتربيهم على هذا الخُلق نشؤوا وقد ألفوا تلكم الأخلاق العالية، لكن مصيبتنا للأسف الشديد أن كثيرا من مجالسنا نرى صغارا في صدور المجالس، وكبارا في أقصاها، ونرى شبابا تستطيل ألسنتهم على الكبار.

 

ونرى شبابا لا يعرف للكبير أي قدر ولا أي مكانة، لا يرى له قدرا، قد يلمزه بجهله، وقد يلمزه بضعف رأيه، وقد يلمزه بقلة علمه، وقد يلمزه بعدم نظافة ملبسه، وقد وقد، وكل هذه الترهات لا يجب أن تحملك على إهانة الكبير، بل قدر الكبير وعظمه، وأظهر لأولادك عندما يزورون معك رحما أنك تقدم الأكبر فالأكبر، وكم سلك هذا المسلك بعض من أريد لهم خير من أسر كريمة، فلا تكاد تعرف أعمارهم إلا إذا رأيت الكبير متقدما على من دونه، ولو كان الكبير أقل مرتبة ممن هو دونه، لكن يعرفون للكبر حقه، ويجلون الكبير، ويتربى النشء على هذه الفضائل العظيمة، فكونوا على هذا الأدب العظيم، ربوا أولادكم على احترام الكبار، سواء من ذوي الرحم أو من غيرهم، وعلموهم الأدب الحسن، والقول الطيب في التعامل مع الآخرين، فتلك أخلاق الإسلام التي إن اعتنينا بها حقا نلنا السعادة في الدنيا والآخرة.

 

وتذكر السيدة عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها شيئا من هذا فتقول “ما رأيت أحدا أشبه برسول الله صلى الله عليه وسلم سمتا ولا هديا مِن ابنته فاطمة رضي الله عنها” قالت “وكانت إذا دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم قام لها وقبّلها، وأخذ بيدها وأجلسها مجلسه، وكان إذا دخل عليها تقوم لأبيها النبي صلى الله عليه وسلم وتقبّله وتقعده في مجلسها رضي الله عنها وأرضاها” ونبينا صلى الله عليه وسلم يعلمنا أيضا في أهم شيء، وهي الصلاة، فيقول “ليليني منكم أولو الأحلام والنهى، ثم الذين يلونهم” أي ليكن من يلي الإمام ذا الأحلام والنهى، ذا العلم والكبر في السن، وقيل أن أحد الصحابة كان يصلي، فرأى مع أحد الصحابة ابنا له فأخره عن الصف الأول، وكأنه رأى الأب قد تغير، فقال “يا أخي، هذه سنة محمد صلى الله عليه وسلم” وكذلك فإن من حقوق المعلم على طلابه أن يظهروا له الاحترام والتقدير ويتأدبوا بين يديه.

 

وقد كان الصحابة رضوان الله عليهم أول من طبق هذا المفهوم في احترامهم وإجلالهم لمعلمهم محمد صلى الله عليه وسلم، فقد كان أعداء المسلمين ينبهرون إذا دخلوا على النبي وهو بين أصحابه من شدة احترامهم وتبجيلهم له، ولم يكن هذا الاحترام مقتصرا على شخص النبي عليه السلام فكذلك فعل الصحابة بمن بعده من العلماء حتى رُوي عن الربيع أنه ما كان يجرؤ أن يشرب الماء وهو في حضرة الشافعي هيبة منه وإجلالا له.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى