مقال

الدكروري يكتب عن تربية النفس علي الرضا والصبر

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن تربية النفس علي الرضا والصبر

بقلم / محمــــد الدكــــروري

 

إن الله سبحانه وتعالي يبتلي العبد وهو يحبه ليسمع تضرعه، فيحب الله عز وجل أن يسمع تضرع العبد إليه سبحانه وتعالى، فهل فكرت قبل أن تطرق الأبواب، وقبل أن تستغيث بالناس، وقبل أن تلجأ إليهم أن تفر إلى الرب الغفور الرحيم، أن تلجأ إلى ذي الجلال والإكرام، فقيل البلاء يستخرج الدعاء، فتجد الرجل لا يذكر ربه، ولا يدعو الله، ولا يقوم الليل، ولا يقرأ القرآن، ولا يتصدق، ولا يفعل شيئا، فإذا نزل البلاء استخرج هذا كله، فدمعت عينه، ورفع يديه، خشع قلبه، سكنت نفسه، وتاب إلى الله، فمَن يستطيع أن يدفع كل يوم مقابل نعمة مفاصل جسمه صدقات مالية بعددها البالغ ثلاثمائة وستين مفصلا؟ ولكن رحمات الله وبركاته وكرمه على عباده جعلت فعل الخيرات هو من الصدقات، وعن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وأرضاها وقد سُئلت عن خُلق النبي صلى الله عليه وسلم فقالت.

 

” لم يكن فاحشا ولا متفحشا ولا صخابا فى الاسواق ولا يجزى بالسيئه السيئه ولكن كان يعفو ويصفح ” رواه الترمذى، وقد قيل أنه شتم رجل معاوية شتيمة في نفسه، فدعا له وأمر له بجائزة ، فلا بد من تربية النفس على الرضا، والصبر، واللين، والمسامحة، وهي قضية أساسية، والإنسان يتحلم حتى يصبح حليما، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال “وما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا” أي أن العفو لا يزيد صاحبه إلا عزا ورفعة وسمو قدر في الدنيا والآخرة” رواه مسلم، وإعلم أن إن هذه العضلة التي في صدرك قابلة للتدريب والتمرين، فمرن عضلات القلب على كثرة التسامح، والتنازل عن الحقوق، وعدم الإمساك بحظ النفس، وجرّب أن تملأ قلبك بالمحبة فلو استطعت أن تحب المسلمين جميعا فلن تشعر أن قلبك ضاق بهم، بل سوف تشعر بأنه يتسع كلما وفد عليه ضيف جديد، وأنه يسع الناس كلهم لو استحقوا هذه المحبة.

 

فمرّن عضلات قلبك على التسامح في كل ليلة قبل أن تخلد إلى النوم، وتسلم عينيك لنومة هادئة لذيذة ، وسامح كل الذين أخطؤوا في حقك، وكل الذين ظلموك، وكل الذين حاربوك، وكل الذين قصروا في حقك، وكل الذين نسوا جميلك، بل وأكثر من ذلك، وانهمك في دعاء صادق لله سبحانه وتعالى بأن يغفر الله لهم، وأن يصلح شأنهم، وأن يوفقهم وستجد أنك أنت الرابح الأكبر، وكما تغسل وجهك ويدك بالماء في اليوم بضع مرات أو أكثر من عشر مرات، لأنك تواجه بهما الناس فعليك بغسل هذا القلب الذي هو محل نظر ا لله سبحانه وتعالى فقلبك الذي ينظر إليه الله سبحانه وتعالى من فوق سبع سموات احرص ألا يرى فيه إلا المعاني الشريفة والنوايا الطيبة، فاغسل هذا القلب، وتعاهده يوميا، لئلا تتراكم فيه الأحقاد، والكراهية، والبغضاء، والذكريات المريرة التي تكون أغلالا وقيودا تمنعك من الانطلاق والمسير والعمل، ومن أن تتمتع بحياتك.

 

وعن المغيرة بن عبدالله الجعفي قال جلسنا إلى رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يقال له خصفة بن خصفة، فجعل ينظر إلى رجل سمين، فقلت له ما تنظر إليه؟ فقال ذكرت حديثا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، سمعته يقول هل تدرون ما الشديد؟ قلنا الرجل يصرع الرجل، قال “إن الشديد كل الشديد، الذي يملك نفسه عند الغضب، تدرون ما الرقوب؟” قلنا الرجل الذي لا يولد له، قال “إن الرقوب الرجل الذي له الولد، لم يقدم منهم شيئا” ثم قال “تدرون ما الصعلوك؟” قلنا الرجل الذي لا مال له، قال “إن الصعلوك كل الصعلوك، الذي له المال لم يقدم منه شيئا” رواه مسلم، ولهذا كان القوي الشديد هو الذي يملك نفسه عند الغضب، حتى يفعل ما يصلح دون ما لا يصلح، فأما المغلوب حين غضبه فليس هو بشجاع ولا شديد، وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال قسم النبي صلى الله عليه وسلم قسما غنائم حنين.

 

فقال رجل “إن هذه القسمة ما أريد بها وجه الله” قال فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته، فغضب حتى رأيت الغضب في وجهه ثم قال “يرحم الله موسى، قد أوذي بأكثر من هذا فصبر” متفق عليه، فكم من إنسان ينام في فراشه لا يقوم الليل ولا يقرأ قرآنا، بل هو نائم في نوم عميق تقرع أبواب السماء عشرات الدعوات له من جائع أطعمه، أو عاري كساه، أو مكروب نفث عنه، أو مستدين قَضى عنه دَينه، هؤلاء يدعون له بالخير، يدعون له بالبركة، يدعون له بالرحمة لأنه كان في نهاره أو في ليله وأيامه ساعيا في قضاء حوائج المسلمين، فكل منا بحاجة إلى الناس، وإن الغني عن الناس هو رب العالمين، فسبحانه القائل ” إن الله غني عن العالمين” وإن أبواب نفع الناس كثيرة، كقضاء ديونهم، أو الصدقة على الفقراء منهم، أو تفريج كربهم، أو الصلح بينهم، أو إدخال السرور عليهم، وغيرها، ونفع الناس، والسعي في كشف كروباتهم.

 

من صفات الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام، فالكريم يوسف بن يعقوب ابن إسحاق عليه السلام، مع ما فعله إخوته به جهزهم بجهازهم ولم يبخسهم شيئا منه، وموسى عليه السلام لما ورد ماء مدين وجد عليه أمة من الناس يسقون ووجد من دونهم امرأتين مستضعفتين، فرفع الحجر عن البئر وسقى لهما حتى رويت أغنامهما، والصحابة رضي الله عنهم كانوا يسيرون على منهجه صلى الله عليه وسلم، فيخدمون الناس وينفعونهم، فأبو بكر الصديق رضي اللهُ عنه أسلم وله أربعون ألفا، فأنفقها في سبيل الله، وأعتق سبعة كلهم يعذب في سبيل الله، أعتق بلالا، وعامر بن فهيرة، وزنبرة، والنهدية وابنتها، وجارية بن مؤمل، وأم عبيس، وعمر بن الخطاب كان يتعاهد الأرامل يسقي لهن الماء ليلا، ورآه طلحة بالليل يدخل بيت امرأة، فدخل عليها طلحة نهارا، فإذا عجوز عمياء مقعدة، فسألها ما يصنع هذا الرجل عندك؟

 

قالت هذا منذ كذا وكذا يتعاهدني يأتيني بما يصلحني ويخرج عني الأذ، وعثمان بن عفان اشترى بئر رومة بخمسة وثلاثين ألف درهم، وجعلها للغني والفقير وابن السبيل، روى أبو نعيم عن مالك الداراني أن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه أخذ أربعمائة دينار فجعلها في صرة، فقال للغلام اذهب بها إلى أبي عبيدة بن الجراح، ثم انتظر ساعة في البيت حتى تنظر ما يصنع، فذهب بها الغلام، فقال يقول لك أمير المؤمنين اجعل هذه في بعض حاجتك، فقال وصله الله ورحمه، ثم قال تعالي يا جارية، اذهبي بهذه السبعة إلى فلان، وبهذه الخمسة إلى فلان، وبهذه الخمسة إلى فلان، حتى أنفذها، فرجع الغلام إلى عمر رضي الله تعالى عنه، وأخبره فوجده قد أعد مثلها لمعاذ بن جبل، فقال اذهب بها إلى معاذ وانتظر في البيت ساعة حتى تنظر ما يصنع، فذهب بها إليه، فقال يقول لك أمير المؤمنين اجعل هذه في بعض حاجتك.

 

فقال رحمه الله ووصله، تعالي يا جارية، اذهبي إلى بيت فلان بكذا، اذهبي إلى بيت فلان بكذا، فاطلعت امرأة معاذ، فقالت ونحن والله مساكين فأعطنا، ولم يبقي في الخرقة إلا ديناران، فألقى بهما إليها ورجع الغلام إلى عمر، فأخبره، فسُرّ بذلك، وقال “إنهم إخوة بعضهم من بعض”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى