مقال

الدكروري يكتب عن أهمية الأسواق الإسلامية

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن أهمية الأسواق الإسلامية
بقلم / محمـــد الدكـــروري

إن أهمية السوق الإسلامية للمسلمين في المدينة المنورة تأتي من ضرورة وجود كيان اقتصادي قوي للمسلمين في مواجهة الكيانات الاقتصادية المعاصرة، سواء على مستوى المدينة نفسها في مواجهة اليهود أم على مستوى الدول والممالك المجاورة نظرا لمنافسة الممالك المجاورة للمسلمين خاصة والعرب عامة وكونهم إلى حد كبير يشكلون سوقا لتصريف الكثير من بضائع ومنتجات تلك الممالك، وتروي كتب السيرة أنه كانت في المدينة المنورة سوق تسمى سوق بني قينقاع، في حي من أحياء اليهود، وكانوا يتعاملون بالربا والمقامرة، والتدليس والغش، والغرر والسحت والاحتكار، ويفرض على المتعاملين فيها الإتاوات، وهذا كله لا يتفق مع القواعد والضوابط الإسلامية للمعاملات، فرأى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينشئ سوقا جديدة للمسلمين، فذهب إلى مكان قريب من سوق بني قينقاع وضرب قبة أى خيمة كبيرة لتكون رمزا وعلامة.

يتجمع حولها المسلمون للبيع والشراء، فاغتاظ اليهود من ذلك وقام كعب بن الأشرف وهو زعيم اليهود وعدو المسلمين فهدم الخيمة وقوَّضها وقطع أطنابها، ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يشأ أن يجعل لهذا التصرف قيمة ولم يلتفت إلى هذا السلوك الاستفزازي، وهذه المحاولة اليائسه من قبل عناصر اليهود المتعصبة، بل رد عليها عمليا فقال متحدثا عن كعب بن الأشرف وفعلته “والله لأضربن له سوقا أغيظ له من هذا” وفي رواية أخرى “لأنقلها إلى موضع هو أغيظ له من هذا” واختار مكانا فسيحا بأطراف المدينة بعيدا عن المحال السكنية وذلك باقتراح من أحد الصحابة الذي قال للنبي صلى الله عليه وسلم إني نظرت موضعا للسوق، أفلا تنظرون إليه؟ قال ” بلى “فقام صلى الله عليه وسلم معه فلما رآه أعجبه وركض برجله صلى الله عليه وسلم وقال ” نعم سوقكم هذا” فلا ينقصن ولا يضربن عليكم بخراج وفي رواية.

وقال صلى الله عليه وسلم “هذه سوقكم لا تتحجروا ولا يضرب عليه الخراج” ويقصد بذلك لا بد وأن تكون السوق واسعة ولا يضيق التجار بعضهم على بعض في الأماكن، كما لا يجوز لولي الأمر أن يفرض على المتعاملين فيها إتاوات أو رسوما أو ضرائب خلاف زكاة المال المقررة شرعا، وقد ظلت هذه السوق طيلة عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وعهد الخلفاء الراشدين عبارة عن فضاء حر من دون بناء، يخضع في تدبيره لنظام سنة المساجد كما كان يقول الخليفة عمر بن الخطاب رضى الله عنه الأسواق على سنة المساجد، من سبق إلى مقعده فهو له حتى يقوم إلى بيته أو يفرغ من بيعه، ولم يبدأ البناء في الأسواق إلا على عهد معاوية بن أبي سفيان الذي سن تأجير أماكن السوق ثم إن قيام رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذا فيه معالم كثيرة وهدي اقتصادي نبوي يجب على المسلمين عامة وأرباب التجارات خاصة أن يعوها.

منها أولا هو الإيمان بأن معاملات اليهود تقوم على السحت والربا، والغش والتدليس والاحتكار، وهذا مُحرم في الشريعة الإسلامية، ومن ثم يصعب أن تكون هناك سوق يهيمن عليها اليهود وتلتزم بقواعد وأحكام الشريعة الإسلامية ويتعامل فيها المسلمون إلا وقعوا في الحرام لذلك يجب أن تكون للمسلمين سوق حرة نظيفة طاهرة، وثانيا هو أن فرض الإتاوات أى الضرائب والرسوم وما في حكمهما بدون ضوابط على المعاملات في الأسواق يؤدي إلى ارتفاع الأسعار وغيرها، وهذا لم يقره رسول الله صلى الله عليه وسلم ولذلك نهى عن فرض الخراج على المعاملات في الأسواق، وهذا واضح من قوله صلى الله عليه وسلم “ولا يضرب عليها الخراج” وثالثا وهو أن يجب أن يكون للمسلمين قوة اقتصادية تستطيع بها المحافظة على أموال المسلمين وتنميتها بالحق، وأن تكون لهم سوق خالية من كل صور السحت والربا وأكل أموال الناس بالباطل.

سوق تقوم على الطيبات والحلال، والصدق والأمانة، والتسامح والقناعة، وخالية من الاحتكار، ولقد كان في المدينة المنورة قبل الإسلام عدة أسواق متناثرة، يقع بعضها بعيدا عن المركز الحالي للمدينة المنورة وقد ارتبطت هذه الأسواق بتوزع مناطق استقرار العشائر المختلفة في المدينة المنورة ولم تكن في هذه الأسواق أية أبنية ثابتة أو أماكن محددة لكل تاجر، ومن هذه الأسواق سوق بني قينقاع وسوق زبالة وسوق العصبة وسوق بني الخيل وسوق بقيع الزبير وقد استخدم المسلمون هذه الأسواق في بداية عهد استقرارهم في المدينة المنورة وخاصة سوق بني قينقاع حتى ضمت هذه الأسواق في سوق بقيع الزبير في عهد النبي صلى الله عله وسلم ثم نقل السوق في تلك الفترة إلى المكان الذي كان يعرف باسم البطحاء ويعرف الآن باسم المناخة وهو سوق المدينة المنورة الذي أسسه النبي صلى الله عليه وسلم بنفسه وخطه برجله.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى