مقال

الدكروري يكتب عن سيادة القيم المادية

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن سيادة القيم المادية

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

إن سيادة القيم المادية وطغيانها في سلوك الإنسان أدت إلى تدمير المجتمعات والحضارات، ولقد جاء القرآن الكريم بتشريع روحي قوامه الإيمان بالله عز وجل، لينقذ الإنسان من أزماته النفسية التي تصيبه بسبب جهله بسر هذا الكون العظيم، ويرشد القرآن الكريم الإنسان لتنقية نفسه من أدران الغريزة والهوى، وترويضها على الإنضباط والإحسان، وإن الرقي المادي الذي حققه الإنسان المعاصر، لم يحقق معه ثمرته المرجوة من اسعاد البشرية، بل يحزننا أن نرى هذه التعاسة والخراب في بقاع كثيرة من عالمنا، فإن مشكلة الإنسان في عالمنا المعاصر هي تساهله المفرط بالقيم الأخلاقية، فقال الله تعالى فى سورة التوبة ” يحلونه عاما ويحرمونه عاما ليواطئوا عدة ما حرم الله فيحلوا ما حرم الله، زين لهم سوؤ أعمالهم” ولقد أتى القرآن الكريم بأسس روحية تكفل لسكان الأرض الإستقرار والسلام والإخاء.

 

فالإنسان بحاجة ماسة التوجه إلى الله سبحانه وتعالى والتأمل في أوامره ونواهيه، وإن القيم الروحية ثابتة لا تتغير بتغير الزمان أو المكان، ولا تتبدل بتبدل الأحوال أوالظروف، فلا يُقبل من الإنسان أن يكون صادقا في بعض المواقف وفي بعضها كاذبا، كما لا يُقبل منه أن يكون عادلا مع قوم وظالما لقوم آخر، وإن القيم الروحية تخاطب باطن الانسان، وكيانه الداخلي، فتوجه سلوكه نحو علاقته بربه، وعلاقته بنفسه، وعلاقته بأسرته، وعلاقته بمجتمعه، وإن القيم الروحية مثل الإخلاص، والصدق، والإحساس بالمسؤولية، ومساعدة المحتاج، وغيرها تؤثر في تهذيب سلوك الإنسان، وتقوية ثقته بنفسه، وحفظه من الأمراض النفسية، ولقد اهتم القرآن الكريم بالقيم الروحية في مواضع كثيرة، وتساعد القيم الروحية على تأمين الرقابة الذاتية، وتساهم في انضباط الفرد والمجتمع في تحقيق المثل العليا في معاملتهم مع الطبيعة.

 

والحيوان ومع بعضهم البعض، فاتقوا الله تعالى واشكروه واعبدوه إليه ترجعون، اتقوا الله ما استطعتم، واستوصوا بدينه وشريعته خيرا، عضوا على الدين بالنواجذ، وتمسكوا به قولا وعملا، فإنه سفينة النجاة لمن رام السلامة والعافية في الدنيا والآخرة، فلقد خلق الله تعالى الإنسان مكرما محترما كما قال سبحانه وتعالى ” لقد خلقنا الإنسان فى أحسن تقويم” وقال تعالى أيضا فى سورة الإسراء ” ولقد كرمنا بنى آدم وحملناهم فى البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير مما خلقنا تفضيلا” فالإنسان بطبيعته وفطرته مخلوق محترم فهو يحب الاحترام، ويحب أن يحترم، ولا يرضى أن يهان بأي نوع من الإهانة، وتأكيدا لحقوق الإنسان في الإسلام أصدر المجلس الإسلامي الدولي وثيقتين، عن حقوق الإنسان في الإسلام باسم “البيان العالمي عن حقوق الإنسان في الإسلام” وقد تضمنت هذه الوثيقة عشرات الحقوق التي قررها الإسلام منها حق الحياة.

 

وحق الحرية، وحق المساواة، وحق العدالة، وحق الفرد في محاكمة عادله، وحق الحماية من تعسف السلطة، وحق الحماية من التعذيب، وحق الفرد في حماية عرضه وسمعته، وحق اللجوء، وحقوق الأقليات، وحق المشاركة في الحياة العامة، وحق حرية التفكير والاعتقاد والتعبير، والحقوق الاقتصادية، وحق حماية الملكية، وحق الفرد في كفايته من مقومات الحياة، وحقوق الزوج وحقوق الزوجة، وحق الارتحال والإقامة، وحق الفرد في حماية خصوصياته، ولعل مِن أعظم حقوق الإنسان على الإطلاق، هو حق الحياة لكل فرد أيا كانت ديانته أو جنسيته، وهو حق مقدس لا يجوز الاعتداء عليه في ظل الإسلام إلا بسلطان الشريعة الممثل في الحدود والقصاص، وقد نهى الإسلام عن قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق وجعل القران الكريم إزهاق الروح جريمة ضد الإنسانية كلها، والحق الذي تزهق به النفس بينه الرسول صلى الله علية وسلم.

 

في الحديث الذي رواه البخاري ومسلم عن ابن مسعود رضي الله عنه “لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث، القاتل، والثيب الزاني، والتارك لدينه المفارق للجماعة” وقد حفلت السنة النبوية المطهرة بالعديد من الأحاديث التي تؤكد حرمة النفس فيقول صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه مسلم “لزوال الدنيا أهون على الله من قتل رجل مسلم” ويقول في الحديث الذي رواه الترمذي عن أبى سعيد الخدرى رضي الله عنه “لو أن أهل السماء وأهل الأرض اشتركوا في دم مؤمن لأكبهم الله في النار” ويقول في الحديث الذي رواه البيهقي، عن ابن عمر رضي الله عنهما “من أعان علي دم امرئ مسلم بشطر كلمة كتب بين عينيه يوم القيامة آيس من رحمة الله” والإسلام يحمي حق الحياة للإنسان من نفسه، كما يحميه من غيره فنجده يحرم الانتحار، ويعتبره جريمة كبرى في حق النفس، وعن أبي هريرة رضي الله عنه.

 

أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال “من تردّى من جبل فقتل نفسه فهو في نار جهنم يتردى فيها خالدا مخلدا فيها أبدا، ومن تحسّى سُمّا فقتل نفسه فسُمّه في يده يتحسّاه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا، ومن قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يتوجّأ بها في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا” رواه البخاري ومسلم، ومن حرص الإسلام علي حرمة النفس، نجده يحرم إسقاط الجنين بعد أن تدب فيه الحياة، ويضع الضمانات التي تحفظ له حياته، فيرخص لأمه بالإفطار في شهر رمضان أثناء الحمل حتى لا يتأثر هذا الجنين بصومها، ويشرع الإسلام القصاص في القتل حفاظا على حياة الناس، وحتى لا يسود القتل بينهم، والقصاص عقوبة مقررة في جميع الشرائع الإلهية المتقدمة، والمسلم وغير المسلم سواء في حرمة الدم واستحقاق الحياة، والاعتداء على المسالمين من أهل الكتاب هو في نكره وفحشه كالاعتداء على المسلمين.

 

وله سوء الجزاء في الدنيا والآخرة، فعن عمرو بن العاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال “من قتل معاهدا لم يرح رائحة الجنة” رواه البخاري، وفى رواية أخرى “من قتل قتيلا من أهل الذمة حرم الله عليه الجنة” رواه النسائي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى