مقال

الدكروري يكتب عن الحكمة من البأساء والضراء

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن الحكمة من البأساء والضراء

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

إن الله عز وجل حكيم في أفعاله، رحيم بعباده، يبتليهم بالبأساء والضراء لحكمة لا يعلما إلا هو سبحانه وتعالي، فقد قال العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله”إن الله تعالى يبتلي بالبأساء والضراء لكن لحكمه، لا لمجرد إلحاق الضرر بالخلق، بل كل ما ضر الناس من تقديرات الله، فالمراد به مصلحة الخلق” فمن مصلحة الخلق أن يُبتلوا بالبأساء والضراء، من أجل أن يخضعوا لربهم، ويتذللوا له، ويتوبوا إليه، فقد قال الله عز وجل فى سورة الأعراف ” وما أرسلنا فى قرية من نبى إلا أخذنا أهلها بالبأساء والضراء لعلهم يضرعون” وقال الحافظ ابن كثير رحمه الله يعني بالبأساء ما يصيبهم في أبدانهم من أمراض وأسقام، والضراء ما يصيبهم من فقر وحاجة، ونحو ذلك، ولعلهم يضرعون أي يدعون ويخشعون ويبتهلون في كشف ما نزل بهم، فحري بالعباد عند نزول البأساء والضرر بهم، من فقر، أو جوع، أو خوف، أو أوبئة، ونحوها.

 

أن يتضرعوا إلى الله بالدعاء، وينيبوا إليه بالطاعة، ويتوبوا عما هم عليه من ذنوب وآثام، لعل الله تعالى أن يرحمهم، فيكشف ما نزل بهم، وليحذروا أن يكونوا ممن قال الله عز وجل فيهم فى سورة المؤمنون ” ولقد أخذناهم بالعذاب فما استكانوا لربهم وما يتضرعون” وقال الحافظ ابن كثير رحمه الله، ولقد أخناهم بالعذاب،أي ابتليناهم بالمصائب والشدائد، فما استكانوا لربهم وما يتضرعون، أي فما ردهم ذلك عما كانوا عليه من الكفر والمخالفة، بل استمروا على غيهم وضلالهم، ما استكانوا، أي ما خشعوا، وما يتضرعون، أي ما دعوا، وليحذروا أن يكونوا ممن قال سبحانه وتعالى فيهم فى سورة الأنعام ” فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا ولكن قست قلوبهم وزين لهم الشيطان ما كانوا يعملون” وقال الإمام ابن جرير الطبري رحمه الله أقاموا على تكذيبهم رسلهم، وأصروا على ذلك، واستكبروا عن أمر ربهم، استهانة بعقاب الله، واستخفافا بعذابه.

 

وقساوة قلب منهم، وقال الإمام القرطبي رحمه الله فى قوله تعالى “فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا” وهذا عتاب على ترك الدعاء، وإخبار عنهم لم يتضرعوا حين نزول العذاب، ويجوز أن يكونوا تضرعوا تضرع من لم يخلص، والعباد إذا استمروا على ما هم عليه من باطل، ولم ينيبوا ويتوبوا إلى الله، فقد يستدرجون نعوذ بالله من ذلك، فيفتح الله عز وجل عليهم أبواب الرزق والنعم، حتى إذا أصابهم البطر، واستولى عليهم الإعجاب بما متعوا به، جاءهم عذاب الله فجأة، فقال الله سبحانه وتعالى ” فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شئ حتى إذا فرحوا بما أتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون” وقال الحافظ ابن كثير رحمه الله وهذا استدراج منه تعالى، وإملاء لهم، عياذا بالله من مكره، ولهذا قال تعالى “حتى إذ فرحوا بما أوتوا” أي من الأموال والأولاد والأرزاق “أخذناهم بغتة” أي على غفلة “فإذا هم مبلسون” أي آيسون من كل خير، وهذا أشد ما يكون من العذاب.

 

أن يؤخذوا على غرة، وغفلة وطمأنينة، ليكون أشد لعقوبتهم، وأعظم لمصيبتهم، ومن جميل أفعال الله سبحانه وتعالى أنه سبحانه يأتي بالفرج بعد الشدة، واليسر بعد العسر، حيث يقول تعالى “فإن مع العسر يسرا، إن مع العسر يسرا” فإذا ضاق الأمر اتسع، ولن يغلب عسر يسرين، وليس بعد الشدة إلا الفرج، ولا بعد العسر إلا اليسر، حيث يقول نبينا الكريم محمد صل الله عليه وسلم ” وإن الفرج مع الكرب، وإن مع العسر يسرا” وإن المتأمل في سير الأنبياء عليهم السلام يجد هذا المعنى متجليا، فهذا نبى الله يعقوب عليه والسلام يفقد أحب أولاده إليه يوسف عليه السلام، ثم يفقد ابنه الثاني بعد سنين، حتى فقد بصره من شدة بكائه وحزنه على فراق ولديه، ويصور لنا الله عز وجل المشهد فيقول ” وابيضت عيناه من الحزن فهو كظيم” غير أنه لم يفقد الأمل، حيث قال كما حكى القرآن الكريم على لسانه ” يا بنى اذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه ولا تيأسوا من روح الله إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون”

 

ويأتيه الفرج من الله عز وجل بعد الشدة والبلاء، فيرد الله إليه بصره وولديه، حيث يقول تعالى ” فلما أن جاء البشير ألقاه على وجهه فارتد بصيرا قال ألم لكم إنى أعلم من الله ما لا تعلمون” وكما نجى الله تعالى نبيه يونس عليه السلام من ظلمات البحر، والليل، وبطن الحوت، فتحول العسر يسرا، والضيق فرجا، حيث يقول تعالى ” وذا النون إذ ذهب مغاضبا فظن ألن نقدر عليه فنادى فى الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إنى كنت من الظالمين، فاستجبنا له وأنجيناه من الغم وكذلك ننجى المؤمنين”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى