مقال

الدكروري يكتب عن خصائص الألوهية

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن خصائص الألوهية

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

إن من خصائص الألوهية هو التفرد بملك الضر والنفع، والعطاء والمنع، وذلك يوجب تعليق الدعاء، والخوف، والرجاء، والتوكل به وحده، فمن علق ذلك بمخلوق فقد شبهه بالخالق، وجعل من لا يملك لنفسه ضرا ولا نفعا ولا موتا ولا حياة ولا نشورا، فضلا عن غيره، شبيها لمن له الأمر كله، فأزمة الأمور كلها بيديه، ومرجعها إليه، فما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن، لا مانع لما أعطى، ولا معطى لما منع، بل إذا فتح لعبده رحمته لم يمسكها أحد، وإن أمسكها عنه لم يرسلها إليه أحد، فمن أقبح التشبيه هو تشبيه العاجز الفقير بالذات، بالقادر الغني بالذات، ومن خصائص الألوهية هو الكمال المطلق من جميع الوجوه، الذي لا نقص فيه بوجه من الوجوه، وذلك يوجب أن تكون العبادة كلها له وحده، والتعظيم، والإجلال، والخشية، والدعاء، والرجاء، والإنابة، والتوبة، والتوكل، والاستعانة، وغاية الذل مع غاية الحب، كل ذلك عقلا وشرعا وفطرة.

 

أن يكون له وحده، فمن جعل شيئا من ذلك لغيره، فقد شبه ذلك الغير بمن لا شبيه له، ولا مثيل له، ولا ند له، وذلك من أقبح التشبيه وأبطله، ولشدة قبحه وتضمنه غاية الظلم أخبر سبحانه أنه لا يغفره، مع أنه كتب على نفسه الرحمة، وإن موضوع الدعاء هو من مواضيع الإيمان، ومن مواضيع أعمال القلوب، التي لا يستشعرها، ولا يعيش لحظاتها، إلا من أوقد الله قلبه بحرارة الإيمان، وعمّره برياض ذكر الله، والإقبال عليه، وخشيته بالسر والعلانية، وإنه موضوع فيه احتساب للأجر، وفيه صبر لله تعالى، وفي ذات الله، وصبر على أقدار الله سبحانه، حيث يقول الله في محكم تنزيله ” أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الأرض أإله مع الله قليلا ما تذكرون” فمن الذي يجيب المضطر إذا رفع يديه لله عز وجل يطلب منه المدد؟ ومن الذي يجيب المسلم في لحظات الكرب والشدة، وهو يهتف داعيا ربه منيبا إليه، طالبا منه العون وتفريج تلك الهموم؟

 

فيقول تعالى ” فإن مع العسر يسرا، إن مع العسر يسرا” فهذا العسر معرفة وهذا اليسر نكرة في الآية، ولذلك قال ابن عيينة رحمه الله “أي أن مع ذلك العسر يسرا آخر” كقوله سبحانه وتعالى فى سورة التوبة ” هل تربصون بنا إلا إحدى الحسنيين” وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم “ضحك ربنا من قنوط عباده وقرب غيره” وتأمل في أحوال الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين فهذا يوسف لما صار في ظلامة الجب، ثم في ضيق السجن، كربا على كرب، وهما على هم، فماذا حصل بعد ذلك؟ تداركته رحمة الله، وهي قريب من المحسنين، فأخرجته من ظلامة الجب، ومن ضيق السجن إلى سعة الملك، وبسط في العيش، وجمع بأهله في حال الرخاء بعد الشدة، وهذا نبى الله يعقوب عليه السلام عمي من كثرة البكاء والحزن على فقد ولديه، وابيضت عيناه فهو كظيم، تداركته رحمة الله بعد سنوات من الشدة، ومفارقة الأولاد الأحباء إلى نفسه.

 

فجمعهم الله سبحانه بهما على غير ميعاد منهم، وهذا نبى الله يونس عليه السلام في بطن الحوت لما نزل به البلاء دعا ربه في مكان ما دعا به أحد من الناس ربه، في جوف البطن المظلم، فاستجاب الله دعاءه، وهذه سيرة نبينا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم فيها شدائد، وأهوال، وكرب، وهموم، ومنها شدائد المواطن التي نصره الله بها في معاركه ضد المشركين، وهذه السيدة عائشة رضي الله عنها لما نزل بها من الضيق الشديد عندما اتهمها المنافقون، وردد ذلك معهم الذين لم يعوا الأمور من المسلمين، ولم يتثبتوا فيها، فاتهموا تلك المسلمة العفيفة، زوجة رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنها قد وقعت في الفاحشة وهي منها بريئة، فصار رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخل عليها فلا يكلمها، ولا يتلطف معها كما كان يتلطف، واشتعلت الفتنة من حولها، والألسن تلوك في عرضها وهي البريئة، حتى بكت الدموع أياما متواصلة، حتى انقطع دمعها.

 

وكان لا يأتيها النوم، ثم جاءها فرج الله بتبرئتها من فوق السبع الطباق، وفرج الله همها، وأذهب كربها، وهؤلاء الثلاثة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين خلفوا، فضاقت عليهم الأرض بما رحبت، بعد أن عزلهم الرسول صلى الله عليه وسلم عن المجتمع المسلم، ونهى الناس عن تكليمهم، فصاروا غرباء في أهلهم وذويهم، حتى وصل الحال إلى أن أمر زوجاتهم بفراقهم، فصاروا كالمبتوتين من المدينة، الذين لا يتصل بهم أحد، ولا يكلمهم أحد، حتى نزل فرج الله بالتوبة عليهم، فوسع الله عليهم بعد أن كانوا في ضيق، ونفس عنهم بعد أن كانوا في كربة، وهؤلاء الثلاثة من بني إسرائيل الذين دخلوا في الغار فانطبقت عليهم الصخرة، فرج الله عز وجل عليهم بعد أن أيقنوا بالموت والهلاك، وهذا الخليل إبراهيم وسارة عليهما السلام نجاهما الله من الجبار الكافر الذي أراد أن يأخذهما.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى