مقال

الدكروي يكتب عن رحمة الله الواسعة

جريدة الاضواء

الدكروي يكتب عن رحمة الله الواسعة

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

إن رحمة الله واسعة تشمل الكافر لو كان في كربة عندما تنزل به إذا شاء ربك أن يفرج عنه، وعن السيدة عائشة رضي الله عنها أن وليدة كانت سوداء لحي من العرب، فأعتقوها، فكانت معهم، فجاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلمت، فكانت لها خباء في المسجد، أو حفش وهو البيت الصغير في ناحية من نواحي المسجد، قالت عائشة “فكانت تأتيني وتتحدث عندي، فلا تجلس مجلسا عندي إلا قالت ويوم الوشاح من تعاجيب ربنا ألا إنه من بلدة الكفر أنجاني، فقلت لها ما شأنك، لا تقعدين معي مقعداً إلا قلت هذا؟” قالت خرجت جويرية، يعني صبية لبعض أهلي، وعليها وشاح من أدم، وهذه القصة في الجاهلية، قبل أن تسلم هذه المرأة، كانت خادمة معهم، فخرجت صبية من أهلي، من الأهل الذين كانت تعيش معهم هذه الخادمة، وخرجت معها خادمتها، وكانت لهذه الصبية، كان عليها وشاح من أدم أى من جلد.

 

وفي طريق من أنه أحمر من سيور، فوضعته هذه الصبية أو وقع منها، فمرت به حديات، وهى الحدأة، فحسبته لحما، فخطفته، قالت فالتمسوه فلم يجدوه، جاء أهل البنت الصغيرة فبحثوا عن الوشاح فلم يجدوه، قالت فاتهموني به أى اتهموا هذه الخادمة، فطفقوا يفتشون، فعذبوني، حتى بلغ من أمرهم أنهم طلبوا في قبلي، أى فتشوا قبلها، قالت والله إني لقائمة معهم وأنا في كربي إذ مرت الحديات حتى وازت برؤوسنا فألقته، قال فوقع بينهم فأخذوه، قالت فقلت هذا الذي اتهمتموني به زعمتم، وأنا منه بريئة، وهو ذا هو، ثم كان من أمرها بعد ذلك ما كان من إسلامها، فتأمل حال تلك المرأة المسكينة، ولو كانت كافرة، كيف لما نزل بها الكرب فعذبت، تداركتها رحمة الله بحادثة عجيبة، ليست بمعهودة أن يأتي ذلك الطائر فيلقي بالقطعة التي خطفها، والله لطيف بعباده، لطفه واسع، ورحمته واسعة، فإنه ينقذ العباد من الضيق، ولو كان في أعتى صوره.

 

ولا يتخلى سبحانه عن المخلوقين، وإن مثل الإيمان في قلب المؤمن كمثل الشجرة الطيبة، تنبت أطيب الثمار، وإن العمل الصالح هو ثمرة الإيمان الذي انغرست جذوره في قلب المؤمن، يبلغ به أقصى درجات الفلاح، فقال تعالى ” قد أفلح المؤمنون” ثم فسّر سبحانه وتعالى إيمانهم بجليل ما يعملون، وعظيم ما يكسبون مما تتحقق لهم به الغاية التي إليها يسعون وفيها يؤمّلون، فذكر سبحانه في طليعة أعمالهم الصالحة، هو خشوعهم في الصلاة، وقد قال الحسن البصري رحمه الله “كان خشوعهم في قلوبهم، فغضوا لذلك أبصارهم” وقال غيره “هو ألا يعبث المرء بشيء من جسده في الصلاة” ومن هذا الوجه قول النبي صلى الله عليه وسلم وقد رأى رجلا يعبث بلحيته في الصلاة، فقال صلى الله عليه وسلم “لو خشع قلب هذا لخشعت جوارحه” وكان فيهم مَن لو قطعت أوصاله وهو في الصلاة لما وُجد منه حراك.

 

كل ذلك من خشوع القلب، والتلذذ بمناجاة الله عز وجل والشعور بعظمته، فإن الله عز وجل بعث رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم بالهدى ودين الحق، والهدى، وهو الخبر الصادق والعلم النافع، ودين الحق هو الشرائع والأحكام التي جاء بها رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم حيث قال الله تعالى فى سورة الصف ” هو الذى أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون” والله سبحانه وتعالى أرسله إلى الجن والإنس والعرب والعجم والذكور والإناث، أرسله جل وعلا رحمة للعالمين جميعا وإماما للمتقين، أرسله عليه الصلاة والسلام يعلم الناس دينهم، ويفقههم في دينهم، ويوضح لهم أسباب النجاة، ويحذرهم من أسباب الهلاك بعثه بدين الإسلام، حيث قال تعالى ” إن الدين عند الله الإسلام” فبعثة سبحانه وتعالى بالهدى ودين الحق بالأخبار الصادقة والعلوم النافعة والشرائع المستقيمة والأحكام العادلة.

 

بعثه يدعوا إلى كل خير وينهى عن كل شر، بعثه يدعو إلى مكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال، وينهى عن سفاسف الأخلاق وسيئ الأعمال، ويقول أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، كان إذا نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم الوحي، يسمع عند وجهه كدوي النحل، فلبثنا ساعة، فاستقبل القبلة يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال “اللهم زدنا ولا تنقصنا، وأكرمنا ولا تهنا، وأعطنا ولا تحرمنا، وآثرنا ولا تؤثر علينا، وارضى عنا وأرضنا” ثم قال ” لقد أنزل عليّ عشر آيات مَن أقامهن دخل الجنة” ثم قرأ قول الحق سبحانه وتعالى ” قد أفلح المؤمنون” إلى عشر آيات، فيالسعادة من أقامهن فحظي بكرامة الله في دار الكرامة والنعيم، ويالشقاء من أعرض عن هديها فباء بالخيبة يوم يفوز المفلحون.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى