مقال

الدكروري يكتب عن الإحسان إلي الجار

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن الإحسان إلي الجار

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

إنه ينبغي على المسلم أن يحسن إلى جاره، ويعامله معاملة طيبة، وأن يَتجنب أذاه، وألا ينظر إلى نسائه، فقد ورد في ذلك نهي شديد فيما رواه عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم، أي الذنب أعظم عند الله؟ قال أن تجعل لله ندّا وهو خلقك، قال قلت له إن ذلك لعظيم، قال قلت ثم أي؟ قال ثم أن تقتل ولدك مخافة أن يطعم معك، قال قلت ثم أي؟ قال ثم أن تزاني حليلة جارك” رواه مسلم، وقيل أنه كان محمد بن الجهم جارا لسعيد بن العاص، عاش سنوات ينعم بجواره، فلما عرض محمد بن الجهم داره للبيع بخمسين ألف درهم، وحضر الشهود ليشهدوا، قال بكم تشترون مني جوار سعيد بن العاص؟ قالوا إن الجوار لا يباع، وما جئنا إلا لنشتري الدار، فقال وكيف لا يباع جوار من إذا سألته أعطاك، وإن سكت عنه بادرك بالسؤال، وإن أسأت إليه أحسن إليك، وإن هجتَه عطف عليك ؟

 

فبلغ ذلك الكلام جاره سعيد بن العاص فبعث إليه بمائة ألف درهم، وقال له أمسك عليك دارك، فإن هذه هي الأخلاق الإسلامية التي ربى عليها الإسلام أبناءه، فكانوا كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا، يحمل غنيّهم فقيرهم، ويعين قَويّهم ضعيفهم، لا شحناء ولا أحقاد، ربط الود بين مشاعرهم، وجمع الإيمان بين أفئدهم، وما أجمل أن يأخذ المسلمون أنفسهم بهذه المبدأ الكريم، وإن من التطبيق العملي هو أن تبدأ جارك بالسلام, وأن تعده في مرضه, وأن تعزه في مصيبته, وأن تشاركه في أفراحه, وأن تصفح عن زلاته, ولا تتطلع لعورته, وإن استقرضك فأقرضه, وإن استغاثتك فأغثه, وإن استنصرك فانصره، واحرص على زيارة جارك والسؤال عليه بشكل دوري، وإن الجيران ثلاثة، جار له ثلاثة حقوق، وجار له حقان، وجار له حق واحد، فأما الجار الذي له ثلاثة حقوق، فهو الجار المسلم القريب له حق الإسلام.

 

وحق القرابة، وحق الجوار، والجار الذي له حقان هو الجار المسلم له حق الإسلام، وحق الجوار، والجار الذي له حق واحد هو الكافر له حق الجوار فقط، ولقد كان السلف الصالح والكرام من الناس يعرفون قدر الجوار، ولا يؤثرون بالجار الصالح مالا ولا عرضا من الدنيا، فهذا محمد بن الجهم يعرض داره للبيع بألف درهم، وقيل بمائة ألف درهم، فلما حضر الراغبون في شراء داره، قال لهم قد اتفقنا على ثمن الدار، فبكم تشترون جوار سعيد بن العاص؟ فقيل له وهل الجوار يباع؟ قال وكيف لا يباع جوار من إذا قعدت سأل عنك، وإن رآك رحّب بك، وإن غبت حفظك، وإن شهدت قرّبك، وإن سألتَه قضى حاجتك، وإن لم تسأله ابتدأك، وإن نابتك نائبة فرّج عنك؟ فبلغ ذلك سعيد بن العاص، فوجه إليه بمائة ألف درهم، وقال له أمسك عليك دارك، وإن حقوق الجار كثيرة ومتعددة، وهي دائرة على ثلاثة حقوق كبرى.

 

أحدها كف الأذى عن الجار، والثاني الإحسان إليه، والثالث الصبر على الأذى منه، فأما الإحسان إلى الجار، فهو من أفضل الأعمال والقربات، كيف لا وهو سبب من أسباب نيل محبة الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم؟ فيقول نبينا صلى الله عليه وسلم “إن أحببتم أن يحبكم الله ورسوله، فأدّوا إذا ائتمنتم، واصدقوا إذا حدّثتم، وأحسنوا جوار من جاوركم” رواه الطبراني، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال، قال صلى الله عليه وسلم “ما من عبد مسلم يموت، فيشهد له ثلاثة أبيات من جيرانه الأدنين بخير، إلا قال الله عز وجل قد قبلت شهادة عبادي على ما علموا، وغفرت له ما أعلم” رواه أحمد، وإن الإحسان إلى الجيران يشمل كافة وجوه الإحسان، ولو كان شيئا يسيرا أو حقيرا لما له من أثر في تقريب النفوس وإزالة الأحقاد فقد جاء في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال “يا نساء المسلمات، لا تحقرنّ جارة لجارتها ولو فرسن شاة”

 

وفرسن الشاة هو حافرها، قال الحافظ ابن حجر رحمه الله أي لا تحقرن أن تهدي إلى جارتها شيئا، ولو أنها تهدي ما لا يُنتفع به في الغالب، ويقول أبو ذر رضي الله عنه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “يا أبا ذر، إذا طبخت مرقة، فأكثر ماءها، وتعاهد جيرانك” رواه مسلم، فكان أبو ذر رضي الله عنه إذا طبخ لحما، أكثَر ماءه وأهدى إلى جيرانه، وقال إن خليلي صلى الله عليه وسلم أوصاني إذا طبخت مرقا فأكثر ماءه، ثم انظر أهل بيت من جيرانك، فأصبهم منها بمعروف” ويقول مجاهد “كنت عند عبدالله بن عمر رضي الله عنهما وغلام له يسلخ شاة، فقال يا غلام إذا سلخت فابدأ بجارنا اليهودي، حتى قال ذلك مرارا، فقال له كم تقول هذا؟ فقال إن رسول الله صلى الله علية وسلم لم يزل يوصينا بالجار، حتى ظننا أنه سيورثه” رواه أبو داود والترمذي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى