مقال

الدكروري يكتب عن عليكم بجبر الخواطر

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن عليكم بجبر الخواطر

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

إن الابتلاء للمؤمن نعمة من ربه يلقيها عليه ليمحصه وينقيه ويزيل عنه بصبره عليه ورضائه بقضائه, ما قد يكون في صحيفته من الذنوب والآثام حتى يأتى يوم القيامة بصحيفة بيضاء نقية لا يرى فيها إلا الخير, فيكون من أهل اليمين, ولا يخلوا إنسان من الذنوب الصغيرة, على الأقل لذلك فهى رحمة من الله لان المؤمن يستطيع الصبر وتحمل ابتلاء الدنيا, ولا يقدر عليه في الآخرة, لذلك كان بعض السلف يسألون الله الابتلاء, لينالوا جزاء الصبر عليه، وهناك مشاعر وأحاسيس يجب علي كل إنسان أن يهتم بها لمواساة أهل الإبتلاءات وهو ما يسمي بالمواساة وجبر الخواطر، وكما يدخل في جبر الخواطر البشاشة والتهنئة، والمصافحة والمعانقة، والمشاركة في سرور وفرح، أو في بكاء وترح، فهذه السيدة عائشة رضي الله عنها، تذكرت في حادثة الإفك، امرأة من الأنصار شاركتها في حزنها بدمعات كان لها أعظم الأثر والمواساة.

 

فقد قالت السيده عائشة رضي الله عنها “وقد بكيت ليلتين ويوما، لا يرقأ لي دمع، ولا أكتحل بنوم، حتى إني لأظن أن البكاء فالق كَبدي، فبينا أبواي جالسان عندي وأنا أبكي فاستأذنت عليّ امرأة من الأنصار فأذنت لها فجلست تبكي معي” وهكذا حال كثير من أساليب جبر الخواطر، يكفي فيها ابتسامة صادقة، أو كلمة حانية، أو اعتذار عن خطأ أو دعاء، وليكن لأهلك من جبر القلوب أوفر الحظ والنصيب، وخاصة الوالدين والزوجة والأبناء والإخوة والأخوات وبقية القرابات، فاجبروا الخواطر، وشاركوا الإخوان في المشاعر، وتذكروا أنها عبادة جليلة يجازي عليها الجبار بأجور عظيمة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم “إن الله عز وجل يقول يوم القيامة يا ابن آدم، مرضت فلم تعدني؟ قال يا رب كيف أعودك وأنت رب العالمين؟ قال أما علمت أن عبدي فلانا مرض فلم تعده، أما علمت أنك لو عدته لوجدتني عنده؟ يا ابن آدم، استطعمتك فلم تطعمني؟

 

قال يا رب، وكيف أطعمك وأنت رب العالمين؟ قال أما علمت أنه استطعمك عبدي فلان فلم تطعمه؟ أما إنك لو أطعمته لوجدت ذلك عندي؟ يا ابن آدم، استستقيتك فلم تسقني، قال يا رب كيف أسقيك وأنت رب العالمين؟ قال استسقاك عبدي فلان فلم تسقه، أما إنك لو سقيته وجدت ذلك عندي؟” رواه مسلم، فإن الحياة بأكملها لا تساوي شئ مقابل فرحة أبنائك أو زوجتك أو اخواتك أو أقاربك أو أصدقائك عندما تقوم بجبر خاطرهم، لذلك لا تنسوا جبر الخواطر في حياتكم، فإننا نعيش الآن في عالم كبير ومزدحم، يحتاج الكثير من الناس الحصول على المساعدة بشتى الطرق سواء كانت مساعدة مادية للفقراء والمساكين أو مساعدة معنوية سواء إلى الأهل أو الأصدقاء، والمساعدات المالية حثنا الإسلام والرسول صلى الله عليه وسلم، حتى أن الإسلام وضعها فريضة علينا ألا وهي الزكاة، ولكن جبر الخواطر يعتقد البعض بأنه شيء ثانوي غير هام.

 

مقارنة بالمساعدة المادية، إلا أن كما نبهنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الزكاة فرض حثنا على جبر الخواطر بقوله” تبسمك في وجه أخيك صدقة” لذلك جبر الخواطر لا يقل أهمية عن الزكاة أو الفرائض الأخرى بل هي مكملة للدين، وكما يعتبر جبر الخواطر أو المساعدة من الأمور التي لا تأخذ الكثير من الوقت ولا تجعل مواعيدنا مكتظة، فهي من أبسط الأمور التي يمكنك القيام بها سواء داخل محيطك الصغير أو داخل مجتمعك الكبير، سواء كنت فقير أو تملك مال وفير، يحتاج جبر الخواطر فقط أن تكون إنسان، واعلموا أن أحق الناس بجبر الخاطر والمعاملة الحسنة هم أهل بيتك وأرحامك فهؤلاء لهم عليك حق وهى أخوة الإسلام، وحق القرابة والرحم، فيقول رسول الله صلى الله عليه وسلم “خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلِي” فهم أولى الناس بجبر خواطرهم وتفقّد أحوالهم، ومساندتهم عند مواجهة مصائب الدنيا.

 

ويكفيك أن تعلم ما قاله الله سبحانه وتعالى في الحديث القدسي ” أنا الله، وأنا الرحمن، خلقت الرحم، وشققت لها من اسمي فمن وصلها وصلته، ومن قطعها بتته” فاجبر أخي الكريم خاطر رحمك فى كل نازلة وعند كل كرب، واجبر خاطرهم عند كل فرح وعند كل إنجاز بأن تشاركهم فيها وتحتفي بهم، فإن جبر الخواطر خُلق إسلامي عظيم، يدل على سمو النفس وعظمة القلب وسلامة الصدر، ورجاحة العقل، ويجبر المسلم فيه نفوسا كسرت، وقلوبا فطرت، وأجساما أرهقت، وأشخاصا أرواح أحبابهم أزهقت، فما أجمل هذه العبادة، وما أعظم أثرها، ومما يعطي هذا المصطلح جمالا أن الجبر كلمة مأخوذة من أسماء الله الحسنى، وهو الجبار، وهذا الاسم بمعناه الرائع يطمئن القلب، ويريح النفس، فهو سبحانه الذي يجبر الفقر بالغنى، والمرض بالصحة، والخيبة والفشل بالتوفيق والأمل، والخوف والحزن بالأمن والاطمئنان، فهو جبار متصف بكثرة جبره حوائج الخلائق.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى