مقال

الدكروري يكتب عن الصدق الذي تتحرك به الجوارح

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن الصدق الذي تتحرك به الجوارح

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

إنه إذا تبدل الناس أو غيروا في طريق ومنهج الله عز وجل، فإنه بذلك تصير هناك علامات يقتدي بها السائرون على الطريق، ففي كلتا الحالين هناك ثبات، فإن ظلمات المحن التي يتقلب فيها لا يرى بارقة أمل أو نصر غير يقين غرسه في أعماق نفسه، أو مغريات تزوغ لها الأبصار، وتتهافت أمامها القلوب الخاوية، فحقا إنه الصدق مع الله عز وجل، فيقول تعالي ” من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضي نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا” فهو صدق نية خلص بها القلب، وصدق تتحرك به الجوارح، فالإنسان ربما يصاب بمصيبة في نفسه أو مصيبة في أهله أو مصيبة في أصحابه أو مصيبة في نواح أخرى، فإذا قابل هذه المصائب بالصبر وانتظار الفرج والأجر من الله، صارت المصائب تكفيرا لسيئاته ورفعة في درجاته.

 

وقد وردت الآيات والأحاديث الكثيرة في ذلك، وقال النبي صلى الله عليه وسلم “ما من مسلم يصيبه أذى من مرض فما سواه إلا حط الله به سيئاته كما تحط الشجرة ورقها” وعن أم العلاء رضي الله عنها قالت عادني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا مريضة، فقال “أبشري يا أم العلاء فإن مرض المسلم يذهب الله به خطاياه كما تذهب النار خبث الذهب والفضة” رواه أبو داود، وقال صلى الله عليه وسلم “ما من مسلم يشاك شوكة فما فوقها إلا كتبت له بها درجة ومحيت عنه بها خطيئة” وقال صلى الله عليه وسلم “عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله خير وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له” فهذه الأحاديث وما ورد بمعناها بشرى للمؤمن.

 

تجعله يحتسب عند الله المصائب التي تنزل به فيصبر عليها ويحتسب ثوابها عند الله عز وجل لأنه يعلم أن ذلك من عند الله تعالى وأن سببها من نفسه، كما قال تعالى في سورة الشوري ” وما اصابكم من مصيبة قبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير” ومن التوجيهات النبوية في الرضا بأقدار الله، فعن أبي هريرة رضى الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم” المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير، احرص على ما ينفعك واستعن بالله؛ ولا تعجز، وإن أصابك شيء فلا تقل لو أني فعلت كان كذا وكذا ولكن قل قدر الله وما شاء فعل فإن لو تفتح عمل الشيطان” رواه مسلم، ويظهر ثبات القلب المؤمن حين يمضي الأحباب وتتفرق الجموع، ويبقى هو وحيدا غير آبه لغربة أو كربة.

 

فوعد الله أمام عينيه يقين، وتحقيقه قريب، حسبه أن يظل سائرا ثابتا رافضا لكل ما ينال من عزمات قلبه المتوضأ، فالمؤمن في ثباته واحتماله للمكاره ينظر إلى غاية قريبة في نفسه وقلبه، وما دامت في قلبه فإنه سيحرص على أن يقيم على الأرض دعائم راسخة ثابتة للحق، لا تزعزها الرياح الهوجاء، ولا ينال من عليائها الجهلاء والحاقدون، وللثبات فضل علينا جميعا، فلولا رجال حملوا هذا الحق وهذه الدعوة المباركة، فحفظوها وثبتوا عليها شرعا ومنهاجا ما كانت الأجيال المتتابعة من بعدهم تنعم بصحوة إسلامية رشيدة، وعندما يتزين قلب المؤمن بالإخلاص، وتتجمل جوارحه بالصبر، ويتلألأ بين الآخرين بثبات لا يتزعزع، كان ختام النور الساطع لؤلؤة الرضا، فإن المصائب تكون على وجهين.

 

فتارة إذا أصيب الإنسان تذكر الأجر، واحتسب هذه المصيبة على الله، فيكون فيها فائدتان تكفير الذنوب، وزيادة الحسنات، وتارة يغفل عن هذا فيضيق صدره، ويصيبه ضجر، أو ما أشبه ذلك، ويغفل عن نية احتساب الأجر والثواب على الله، فيكون في ذلك تكفير لسيئاته، إذن هو رابح على كل حال في هذه المصائب التي تأتيه، فإما أن يربح تكفير السيئات وحط الذنوب بدون أن يحصل له أجر، لأنه لم ينو شيئا، ولم يصبر، ولم يحتسب الأجر، وإما أن يربح شيئين تكفير السيئات، وحصول الثواب من الله عز وجل، كما تقدم، ولهذا ينبغي للإنسان إذا أصيب ولو بشوكة، فليتذكر احتساب الأجر من الله على هذه المصيبة، حتى يؤجر عليها، مع تكفيرها للذنوب، وهذا من نعمة الله سبحانه وتعالى وجوده وكرمه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى