مقال

الدكروري يتكلم عن الخشوع في العبادة

جريدة الاضواء

الدكروري يتكلم عن الخشوع في العبادة

بقلم / محمــــد الدكــــروري

 

إنه كلما تمكن الإنسان من التخلص من مشاغله حصل على توجه إلى الله في العبادة، وكما أن إختيار مكان الصلاة وسائر العبادات له أثر كبير في هذه المسألة، لهذا فإن الصلاة مع إنشغال البال بغيرها تعد مكروهة، وكذلك في موضع مرور الناس أو قبال المرآة والصورة، ولهذا الأسباب تكون المساجد الإسلامية أفضل إن كانت أبسط بناء وأقل زخرفة وأبّهة، ليكون التوجه كله لله فاطر السموات والأرض، وكذلك إجتناب المعاصي عامل مؤثر في التوجه إلى الله، لأن المعصية والذنب تبعد الشقة بين قلب المسلم وخالقه، وكذلك معرفة معنى الصلاة وفلسفة حركاتها والذكر عامل مؤثر كبير على ذلك، ويساعد على ذلك أداء المستحبات، سواء كانت قبل الدخول في الصلاة أو في أثنائها، وعلى كل حال فإن هذا العمل هو كبقية الأعمال الاخرى يحتاج إلى تمرين متواصل.

 

ويحدث كثيرا أن يحصل الإنسان على قدرة التركيز الفكري في لحظة من لحظات الصلاة، وبمواصلة هذا العمل ومتابعته يحصل على قدرة ذاتية يمكنه بها إغلاق أبواب فكره في أثناء الصلاة إلا على خالقه، وإن المحافظة على الأمانة بالمعنى الواسع للكلمة، وكذلك الإلتزام بالعهد والميثاق بين يدي الخالق والخلق من صفات المؤمنين البارزة، وتعني الأمانة بمفهومها الواسع أمانة الله ورسوله إضافة إلى أمانات الناس، وكذلك ما أنعم الله على خلقه، وتضم أيضا أمانة الله الدين الحق والكتب السماوية وتعاليم الأنبياء القدماء، وكذلك الأموال والأبناء والمناصب جميعها أمانات الله سبحانه وتعالى بيد البشر، يسعى المؤمنون في المحافظة عليها وأداء حقّها، ويحرسونها ما داموا أحياءا، ويرثها أبناؤهم الذين تربوا على أداء الأمانات والحفاظ عليها.

 

والدليل على عمومية مفهوم الأمانة هنا، إضافة إلى سعة المفهوم اللغوي لهذه الكلمة، هو أحاديث عديدة وردت في تفسير الأمانة بأنها أمانة الأئمة المعصومين أي ينقلها كل إمام إلى وارثه، وأحيانا تفسير الأمانة بأنها الولاية بشكل عام، وهناك تعابير قرآنية عديدة تدل على عمومية وشمولية العهد، منها “وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم” والجدير بالملاحظة أن بعض آيات القرآن عبّرت عن ذلك العهد بأداء الأمانة وعدم خيانتها والمحافظة عليها، ورعاية الأمانة التي استعملت في الآية السابقة تضم معنى الأداء والمحافظة، فعلى هذا فان التقصير في المحافظة على الأمانة والذي يؤدّي إلى وقوع ضرر أو تعرضها للخطر، يوجب على الأمين إصلاحها وبهذا تترتب ثلاثة واجبات على الأمين وهم الأداء، والمحافظة، والإصلاح، فلابد أن يكون الإلتزام بما تعهد به المرء والمحافظة عليه.

 

وأداء الأمانة من أهم القواعد في النظام الإجتماعي، ودون ذلك يسود التخبط في المجتمع، ولهذا السبب نرى شعوبا لا تتمسك عامتها بالدين، إلا أنها سعيا منها لمنع الإضطراب، تفرض على نفسها رعاية العهد والأمانة، وتعتبر نفسها مسؤولة أمام هذين المبدأين في أقل تقدير، في القضايا الإجتماعية العامة، ومن صفات عباد الرحمن، أنه سبحانة وتعالى يقول فى سورة الفرقان ” وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما، والذين يبيتون لربهم سجدا وقياما، والذين يقولون ربنا اصرف عنا عذاب جهنم إن عذابها كان غراما، إنها ساءت مستقرا ومقاما، والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما” ومعنى كلمة هونا فالهون هو الرفق واللين والناعم والهادي المتواضع، ومعنى يسرفوا، فالاسراف مجاوزة الحد.

 

ومعنى يقتروا، هو أن التقتير التضيق، ومعنى قواما، فالقوام وسط بينهما، وهذه الآيات تستعرض بحثا جامعا فذا حول الصفات الخاصة لعباد الرحمن، إكمالا للآيات الماضية حيث كان المشركون المعاندون حينما يذكر اسم الله الرحمن، يقولون وملء رؤوسهم استهزاء وغرور، وما الرحمن؟ ورأينا أن القرآن يعرّف لهم الرحمن ضمن آيتين، وجاء الدور الآن ليعرّف عباد الرحمن، وتبيّن هذه الآيات اثنتي عشرة صفة من صفاتهم الخاصة، حيث يرتبط بعضها بالجوانب الإعتقادية، وبعض منها أخلاقي، ومنها ما هو إجتماعي، بعض منها يتعلق بالفرد، وبعض آخر بالجماعة، وهي أولا وآخرا مجموعة من أعلى القيم الإنسانية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى