مقال

الدكروري يكتب عن الحكمة في كون الأنبياء أشد بلاء

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن الحكمة في كون الأنبياء أشد بلاء
بقلم / محمـــد الدكـــروري

إنه إذا زاد همك، وكثر غمك، وتضاعف حزنك فقل لقلبك ” لا تحزن إن الله معنا” وإذا ركبك الدين، وأضناك الفقر، وشواك العدم، وإذا هزّتك الأزمات، وطوّقتك الحوادث، وحلت بك الكربات، فقل لقلبك “إن الله معنا” ولو وقفت الدنيا كلها في وجهك، وحاربك البشر كلهم، ونازلك كل من على وجه الأرض فلا تحزن لأن الله معنا، ولقد أدركت معية الله الخاصة نبي الله إبراهيم الخليل عليه السلام حين ألقي في النار، فقال له جبريل علية السلام ألك حاجة الي فقال أما لك فلا وأما إلي الله فنعم فقال الله “يا نار كوني بردا وسلاما على ابرآهم” وأدركت رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم حين كان مختبئا في الغار، وأدركت نبي الله يونس عليه السلام حين كان في ظلمات ثلاث، ظلمة الليل، وظلمة بطن الحوت، وظلمة البحر، وكانت معية الله مع يوسف عليه السلام.

وهو يسجن سبع سنوات فيسألونه عن تفسير الرؤى، فيتركها، ثم يبدأ بالدعوة فيقول يا صاحبي السجن أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار، فيعلن الوحدانية، فيجد السعادة، وكانت معية الله مع نبي الله موسى عليه السلام حينما تقابل أتباعه مع جند فرعون وقال أصحابه ” إنا لمدركون” ورد عليهم نبي الله موسى عليه السلام مستشعراً تلك المعية، فقال ” قال كلا إن معي ربي سيهدين” وكانت معية الله مع نبي الله يونس عليه السلام حينما ألقي في البحر في ظلمات ثلاث فقال ” لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين” فرد الله سبحانه وتعالي ” فاستجبنا له وأنجيناه من الغم وكذلك ننجي المؤمنين” ولما أمر الله موسى وهارون عليهما السلام بالذهاب إلى فرعون لدعوته طمأنهما فقال تعالي ” لا تخافا إنني معكما أسمع وأري”

ويقول قتادة رحمه الله تعالى “من يتق الله يكن معه، ومن يكن الله معه فمعه الفئة التي لا تُغلب، والحارس الذي لا ينام، والهادي الذي لا يضل، وكتب بعض السلف إلى أخ له أما بعد فإن كان الله معك فمن تخاف، وإن كان عليك فمن ترجو” ولقد قال العلماء إن الحكمة في كون الأنبياء أشد بلاء ثم الأمثل فالأمثل، أنهم مخصوصون بكمال الصبر، وصحة الاحتساب، ومعرفة أن ذلك نعمة من الله تعالى، ليتم لهم الخير ويضاعف لهم الأجر ويظهر صبرهم ورضاهم” ويقول المناوي رحمه الله “لأن البلاء في مقابلة النعمة، فمن كانت نعمة الله عليه أكثر، فبلاؤه أشد، ولهذا ضوعف حد الحر على العبد، فهم معرضون للمحن والمصائب وطروق المنغصات والمتاعب” وإن الأمراض والأدواء هي من أنواع المحن والبلاء التي يُصاب بها عباد الرحمن في دار الفناء.

لكن مما ينبغي علينا أن نعلمه أن في إصابة المسلم بالأمراض فوائد وثمار يرجع نفعها عليه في الدنيا والآخرة بإذن العزيز الغفار، فهذه الأمراض التي تحل بالعبد قد تكون عقوبة له على ذنب ارتكبه، أو على واجب ضيعه فيقدر علام الغيوب أن يصاب المسلم بمرض ما ليكون ذلك سببا له في أن يتوب، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ” إذا أراد الله بعبده الخير عجل له العقوبة فى الدنيا، وإذا أراد الله بعبده الشر أمسك عنه بذنبه حتى يوافى يوم القيامة” رواه الترمذي، ويقول المناوي رحمه الله معنى عجل أى بالتشديد أسرع له العقوبة بصب البلاء والمصائب عليه في الدنيا جزاء لما فرط منه من الذنوب، فيخرج منها وليس عليه ذنب يُوافى به يوم القيامة”

ويقول الإمام ابن القيم رحمه الله “ابتلاء المؤمن كالدواء له، يُستخرج منه الأدواء التي لو بقيت فيه أهلكته أو نقصت ثوابه وأنزلت درجته، فيستخرج الابتلاء والامتحان منه تلك الأدواء، ويستعد به لتمام الأجر وعلو المنزلة” وقد يصاب المؤمن بالأمراض ولا يكون فيها عقوبة له وتعذيب وإنما تنقية له من المعاصي والذنوب وتهذيب، وله بها رفعة في الدرجات عند رب البريات، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” ما يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة فى نفسه وولده حتى يلقى الله وما عليه خطيئة” رواه الترمذي، ويقول الإمام ابن القيم رحمه الله “فلولا أنه سبحانه يداوي عباده بأدوية المحن والابتلاء لطغوا وبغوا وعتوا، والله سبحانه إذا أراد بعبد خيرا سقاه دواء من الابتلاء والامتحان على قدر حاله، يستفرغ به من الأدواء المهلكة، حتى إذا هذبه ونقاه وصفاه، وأهله لأشرف مراتب الدنيا وهي عبوديته، وأرفع ثواب الآخرة وهو رؤيته وقربه”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى