مقال

الدكروري يكتب عن كم من محنة في طيها منحة

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن كم من محنة في طيها منحة

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

لقد ظن فرعون أن راحتة وسعادتة في البعد عن الله والكفر بلا اله الا الله لكن خاب ظنة فكان كفره سببا لدماره وهلاكه وظن فرعون أن الراحة في الملك، ولكنه ملك بلا إيمان، وتسلطن بلا طاعة، فنادى في اهل مصر كما جاء في سورة الزخرف “أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي” ونسي أن الذي ملكه هو الله، والذي أعطاه مصر هو الله، والذي جمع له الناس هو الله، والذي أعطاه مصر هو الله، والذي جمع له الناس هو الله، والذي أطعمه وسقاه هو الله، ومع ذلك يجحد هذا المبدأ ويقول كما جاء في سورة القصص ” ما علمت لكم من إله غيري” فكان جزاء هذا العتو والتكبر والتمرد على الله إنه لم يتحصل على السعادة التي طلبها، بل كان نصيبه الشقاء والهلاك واللعنة بعينها فقال تعالي في سورة النازعات “فأخذه الله نكال الآخرة والأولى”

 

ويقول الله تعالي عنه وعن مثله كما جاء في سورة غافر “النار يُعرضون عليها غدوا وعشيا ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب” وفي الأثر الصحيح يقول سبحانه وتعالي وعزتي وجلالي وارتفاعي على خلقي ما أعتصم بي عبد فكادت له السماوات والأرض إلا جعلت له من بينها فرجا ومخرجا وعزتي وجلالي ما أعتصم بغيري عبد إلا زلزلت الأرض تحت قدميه” وحدث أبو جعفر طلحة بن عبد الله الطائي الجوهري قال “كان ببغداد رجل اعتل غلامه بالبرسام فبلغ إلى درجة قبيحة وزال عقله والبرسام هو ورم شديد يكون في الرأس، فوضعوه في بيت وأمروا صبيا بمراعاته، فما لبثوا أن سمعوا صياح الصبي الموكل به فلما أتوه نظروا فإذا عقرب قد نزلت على رأس العليل فلسعته في عدة مواضع، فإذا به قد فتح عينيه لا يشكوا ألما.

 

فأطعموه وسقوه وبرأ مما كان فيه” فسبحان اللطيف الخبير، فكم من محنة في طيها منحة، ومن هوان كانت عاقبته كرامة وها هو نبى الله يعقوب عليه السلام يفقد ولده الأول فيقول ” فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون” فلما ترقب الفرج غيب عنه ولده الثاني، فقال ” فصبر جميل عسى الله أن يأتينى بهم جميعا إنه هو العليم الحكيم” ثم أنزل همه وكربه بربه عز وجل فقال ” إنما أشكوا بثى وحزنى غلى الله وأعلم من ألله ما لا تعلمون” فإنه يقين أرسى من الجبال، وعلم بالله لا يخالطه شك أو جدال، فالمؤمن الواثق مهما نزلت به الأمراض أو ابتلى بفقد الأحباب، أو حُرم من المال والولد، أو تكاثرت عليه مشاكل ومصائب في وظيفة أو تجارة أو سيارة أو بيت أو غير ذلك لا يفقد صفاء العقيدة ونور الإيمان، أما الإنسان الجزوع فإنه إذا نزلت به المصائب ضاقت عليه مسالك الفرج.

 

بل ضاقت عليه الأرض بما رحبت، فييأس، فإذا يئس زاد مرضه مرضا وهمه هما، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال “إن العبد إذا سبقت له من الله منزلة فلم يبلغها بعمله ابتلاه الله في جسده، أو ماله أو ولده، ثم صبر على ذلك حتى يبلغ المنزلة التي أرادها الله له” رواه احمد، وقال “أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الصالحون ثم الأمثل فالأمثل، يبتلى المرء على حسب دينه” رواه الترمذي، وابتلي نبي الله يوسف عليه السلام بالطعن في أمانته حينما قال إخوته ” إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل” وألقى في غيابة الجب كما تلقى الأحجار، وبيع في سوق النخاسة كما يباع العبيد، وشري بثمن بخس دراهم معدودة، وكان من اشتراه فيه من الزاهدين، وخدم في البيوت كما يخدم العبيد، واتهم في عرضه تهمة يتنزه عنها العقلاء فكيف بالأنبياء؟

 

وألقي بسببها في السجن كما يلقى المجرمون، فلبث فيه بضع سنين، وغيرهم من الأنبياء والصالحين، والناس في كل زمان ومكان يتعرضون لهذا الابتلاء في حياتهم وأهليهم، ووظائفهم وأولادهم، بل يتعرضون للابتلاء في مجتمعهم وأمتهم، وقد يبتلون في عبادتهم وطاعتهم ودينهم، وقد يبتلى العالم في علمه، والتاجر في تجارته، ومنهم من يشكر النعمة، ومنهم من يجحد ويتكبر ويتنكر لها، وينسى أن المنعم هو الله حتى ظهرت الخصومات بين الناس، وسفكت لأجل ذلك الدماء، وحل التقاطع والهجران، فإن هذا الابتلاء الذي يتعرض له المسلم في حياته، بما فيه من مشقة وشدة، وعسر ومعاناة إلا أن فيه منحا إلهية، وجوائز ربانية، جعلها الله لعباده المؤمنين، وللمجتمع والأمة المسلمة فمن ذلك تكفير الذنوب والخطايا، ورفع الدرجات، وتطهير النفوس وتزكيتها.

 

وربطها بخالقها، والتمكين والنصر، والتمييز والتمحيص، بين العباد، ومعرفة أهل الصدق، والصبر والإيمان، وكشف وفضح أهل الخيانة والكذب والنفاق، والمسلم يحتاج إلى أن يحسن التعامل مع الابتلاء، وكيف يستثمره ويستفيد منه فيقوي إيمانه بالله عندما يدرك أن قدر الله لا مناص منه، فيربي نفسه على التسليم والرضا بما قدر الله، فلا يكمل إيمان عبد، ولا يستقيم حتى يؤمن بالقدر خيره وشره.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى