مقال

الدكروري يكتب عن الوفاء وعلامة العبودية

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن الوفاء وعلامة العبودية

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

إن من العجب أن يحتمي بعض الناس من الحلال مخافة المرض ولا يحتمون من الحرام مخافة النار، وما ذاك إلا لقسوة القلوب وضعف الإيمان و الدين، فإن لم تشبع النفس وترضى بما قسم الله لها فلن يكفيها ملء الأرض ذهبا بل يكفيها ملء الكف ترابا، وإن من أعجب ما يقف عليه القارئ في الوفاء بالحقوق ما رواه البخاري عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر رجلا من بني إسرائيل سأل بعض بني إسرائيل أن يسلفه ألف دينار، فقال ائتني بالشهداء، فقال كفى بالله شهيدا، قال فائتني بالكفيل، قال كفى بالله كفيلاً، قال صدقت، فدفعها إليه على أجل مسمى، فخرج في البحر فقضى حاجته ثم التمس مركبا يركبها يقدم للأجل الذي أجله، فلم يجد مركبا.

 

فأخذ خشبة فنقرها فأدخل فيها ألف دينار وصحيفة منه إلى صاحبه، ثم زجج موضعها، ثم أتى بها إلى البحر فقال اللهم إنك تعلم أني قد كنت تسلفت فلانا ألف دينار فسألني كفيلا فقلت كفى بالله كفيلا فرضي بك، وسألني شهيدا فقلت كفى بالله شهيدا فرضي بذلك، وإني جهدت أن أجد مركبا أبعث إليه الذي له فلم أقدر، وإني أستودعكها، فرمى بها في البحر حتى ولجت فيه ثم انصرف وهو في ذلك يلتمس مركبا يخرج إلى بلده، فخرج الرجل الذي كان أسلفه ينظر لعل مركبا قد جاء بماله، فإذا بالخشبة التي فيها المال فأخذها لأهله حطبا، فلما نشرها وجد المال والصحيفة، ثم قدم الذي كان أسلفه فأتى بالألف دينار فقال والله ما زلت جاهدا من طلب مركب لآتيك فيه، قال هل كنت بعثت إليّ بشيء؟

 

قال أخبرك أني لم أجد مركبا قبل الذي جئت فيه، قال فإن الله قد أدى عنك الذي بعثت في الخشبة، فانصرف بالألف دينار راشدا، وهكذا عندما يصدق الرجل في عهده ووفائه، وهكذا عندما يهم الإنسان بدينه وعهده ليقضيه ولا يلتمس أعذارا، وهكذا حينما تكون النفس عفيفة لا تأخذ إلا مالها، وكان بإمكان المسلف أن يأخذ ما أتاه به، فإصدقوا مع الله واصدقوا مع الخلق وأوفوا ما عاهدتم به، وراقبوا ربكم بما بينكم وبينه، فإن الوفاء مركب من العدل والجود والنجدة، وإن علامة العبودية ثلاث، الوفاء لله على الحقيقة، والمتابعة للرسول صلى الله عليه وسلم في الشريعة، والنصيحة لجميع الأمة، وأنه ما نجا مَن نجا إلا بمراعاة الوفاء.

 

وإن الصدق هو الوفاء لله عز وجل بالعمل، وأن الوفاء هو صدق اللسان والفعل معا، والوفاء خُلق من أخلاق القرآن، وخُلق نبوي كريم، وخصلة كريمة من خصال الإيمان، وخُلق عظيم من أخلاق الإسلام، ولكن هذا الخلق الكريم قد ضاع بين المسلمين إلا من رحم ربي عز وجل إنه خُلق الوفاء بالعهد، وإنك لو نظرت إلى واقع الأمة اليوم، ستجد كم من الناس من يتكلم، وكم من الناس من يعد، وكم من عهود مسموعة ومرئية ومنقولة ولكن أين صدق الوعود؟ وأين الوفاء بالعهود؟ فقد كثرت في زماننا هذا الوعود، وأكثر منها عدم الوفاء بها، فإذا أراد أحدنا التهرب من أخيه، وعده بشيء وهو يعلم أنه لن ينفذ ما وعد به.

 

وينسى قول الله تبارك وتعالى “وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسؤلا” وإن للوفاء بعهد الله تعالى فوائد عظيمة، وللوفاء أيضا مع الأصدقاءِ والجيرانِ والخلان وعموم الناس فوائد كثيرة ومتنوعة، ومن أهمها، أنه مَن أوفى بعهد الله من توحيده وإخلاص العبادة له، أوفى الله بعهده من توفيقه إلى الطاعات، وأسباب العبادات، وأن الذين يوفون بعهد الله، هم أولو الألباب، وهم الذين باعوا أنفسهم وأموالهم لله، فوعدهم أن لهم الجنةَ، ومَن أوفى بعهده من الله؟ وقد مدح الله تعالى الموفين بعهودهم كثيرا في القرآن الكريم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى