مقال

الدكروري يكتب عن يا جليبيب ألا تتزوج؟

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن يا جليبيب ألا تتزوج؟

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

هؤلاء اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يسألهم عن اليوم الذي هم فيه، والمكان الذي هم فيه، وهم يعلمونه حق العلم، فيتحرجون أن يجيبوا إلا بقولهم الله ورسوله أعلم، وذلك خشية أن يكون في قولهم تقدم بين يدي الله ورسوله، وقد جاء في حديث أبي بكرة نفيع بن الحارث الثقفي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم سأل في حجة الوداع “أي شهر هذا ? ” قلنا الله ورسوله أعلم، فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه، فقال ” أليس ذا الحجة ? ” قلنا بلى، قال ” أي بلد هذا ? ” قلنا الله ورسوله أعلم، فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه، فقال ” أليس البلدة الحرام ? ” قلنا بلى قال ” فأي يوم هذا ? ” قلنا الله ورسوله أعلم، فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه، فقال أليس يوم النحر ? قلنا بلى”.

 

فهذه صورة من الأدب، ومن التحرج، ومن التقوى، التي انتهى إليها المسلمون بعد سماعهم ذلك النداء، وذلك التوجيه، وتلك الإشارة إلى التقوى، تقوى الله السميع العليم، ولذلك زوج النبي صلي الله عليه وسلم الصحابي الجليل جليبيب من امرأة ذات حسب ونسب لدينه وورعه وتقواه، فكان جليبيب أحد المساكين من الصحابة، ليست له أسرة معروفة، ولا عنده جسم بهي جميل، وليس عنده مال، ولا يمتلك منصبا يديره، أتى إلى النبي صلي الله عليه وسلم في ثياب ممزقة، وفي هيئة غير سوية بطنه جائع، وكبده ظامئة، وأعضاؤه هزيلة، ووجهه شاحب، فقال له صلى الله عليه وسلم “يا جليبيب ألا تتزوج؟ قال يا رسول الله غفر الله لك ومن يزوجني، لا جمال ولا مال ومرة ثانية.

 

يقول له صلى الله عليه وسلم يا جليبيب ألا تتزوج؟ فيقول يا رسول الله من يزوجني لا جمال ولا مال؟ لأن كثيرا من الناس لا يزوج إلا على الدراهم والدنانير، يزوج الرجل إذا رأى عنده ممتلكات وسيارات وشاحنات وناقلات وقصورا، فيبيع ابنته لذاك الرجل كما تباع الناقة والسيارة، في سوق المزاودة، لا ينظر إلى صلاة ذاك الرجل، ولا إلى صدقه، ولا إلى أمانته، قد يكون هذا الرجل فاجراً سكيراً لعيناً طريداً بعيداً ولكن أنساه ذلك كله مال ذاك الرجل، ومنصبه وسيارته وقصره، فيبيع بنته، فيخسر الدنيا والآخرة فيقول له صلى الله عليه وسلم في الثالثة: ألا تتزوج؟ قال يا رسول الله من يزوجني لا مال ولا جمال؟ فيقول صلى الله عليه وسلم “اذهب إلى ذاك البيت من الأنصار”

 

وقل لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم يبلغكم السلام، ويقول زوجوني بنتكم، هذا مرسوم من كلام محمد عليه الصلاة والسلام، فذهب فطرق الباب، قال أهل البيت من؟ قال جليبيب، قالوا مالنا ولك يا جليبيب، فخرج صاحب البيت، فقال ماذا تريد؟ قال الرسول صلى الله عليه وسلم يبلغكم السلام، فارتج البيت بالدعاء والرد وعليه الصلاة والسلام، قال ويقول زوجوني بنتكم، فيقول الوالد الله المستعان لأن جليبيبا فقير، وأسرته فقيرة لا مال ولا جاه ولا منصب، يملك ثوبه الممزق، فيقول أعود إلى زوجتي لأنها تملك الحق، وتملك هذه المراسيم فعاد إليها فقالت الله المستعان لو كان غير جليبيب، نزوج ابنتنا جليبيبا فاجتمعا على أن يردا ويرفضا، فسمعت البنت العابدة الناصحة الصالحة.

 

فقالت أتردان أمر الرسول صلى الله عليه وسلم عليه؟ لا والله فيتوافقان ويتم الزواج، ويدعو له صلى الله عليه وسلم بالخير، فينشئ بيتا في الإسلام، أساسه على الخير، فيقول تعالي في سورة التوبة ” أفمن أسس بنيانه علي تقوي من الله ورضوان خير أم من أسس بنيانه علي شفا جرف هار فانهار به في نار جهنم والله لا يهدي القوم الظالمين” أفمن أدخل ابنته بيتا مسلما تاليا لكتاب الله مستقيما ذاكرا لله خير أم من أدخل ابنته بيتا مغنيا فاحشا ضالا ظالما؟ لا يستوون، وعاشت هذه المرأة في سعادة، وأنجبوا أطفالا مشاعل في التاريخ، علماء ودعاة، وقد أتى النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة خاضها بنفسه صلى الله عليه وسلم، وبعد القتال سأل أصحابه “من تفقدون من الناس؟ قالوا نفقد فلانا وفلانا.

 

قال ومن؟ قالوا ما نفقد أحدا؟ قال ألا تتذكرون أحدا؟ قالوا لا، فقال صلى الله عليه وسلم لكنني أفقد جليبيبا، أين جليبيب؟ وقام يبحث عنه، لأنه يحب القلوب الصادقة، ويهوى الأرواح المخلصة، ويتعاطف مع أهل الحق، فمر في القتلى وبحث عنه فوجده مقتولا بجانب سبعة قتلهم من المشركين، فمسح صلى الله عليه وسلم التراب عن وجه جليبيب، وقبل وجهه وبكى، وقال صلى الله عليه وسلم “قتلت سبعة ثم قتلوك، أنت مني وأنا منك، أنت مني وأنا منك، أنت مني وأنا منك”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى