مقال

الدكروري يكتب عن حسن العهد من الإيمان

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن حسن العهد من الإيمان

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

إن من سماحة الإسلام هي سماحة أمير المؤمنين والخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فهذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه يستهزئ به رجل ويتهمه بالبخل والظلم فيعفو عنه ويصفح، فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال أن عيينه بن حصن بن حذيفة دخل علي عمر فقال هي يا ابن الخطاب، فوالله ما تعطينا الجزل ولا تحكم بيننا بالعدل، فغضب عمر حتي هم أن يوقع به، فقال له الحر بن قيس، يا أمير المؤمنين إن الله تعالي قال لنبيه صلي الله عليه وسلم ” خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين” وإن هذا من الجاهلين، فيقول ابن عباس والله ما جاوزها عمر حين تلاها عليه، وكان وقافا عند كتاب الله” ولقد جاءت إلي النبي صلى الله عليه وسلم، أخته من الرضاعة.

 

وقد ابتعدت عنه ما يقارب أربعين سنة، فتأتيه وهو لا يعرفها وهي لا تعرفه، مرت سنوات وسنوات، وأيام وأيام، وأعوام، وتسمع وهي في بادية بني سعد في الطائف بانتصاره، فتأتي لتسلم على أخيها من الرضاع وهو تحت سدرة عليه الصلاة والسلام، والناس بسيوفهم بين يديه، وهو يوزع الغنائم بين العرب، فتستأذن، فيقول لها الصحابة من أنت؟ فتقول أنا أخت رسول الله صلى الله عليه وسلم من الرضاعة، أنا الشيماء بنت الحارث أرضعتني أنا وإياه حليمة السعدية، فيخبرون الرسول عليه الصلاة والسلام فيتذكر القربى والوشيجة والعلاقة، التي أنزلها الله من السماء، ويقوم لها ليلقاها في الطريق ويعانقها عناق الأخ لأخته بعد طول المدة، وبعد الوحشة والغربة، ويأتي بها ويجلسها مكانه.

 

ويظللها من الشمس، فتصوروا أن رسول البشرية، ومعلم الإنسانية، ومزعزع كيان الوثنية يظلل هذه العجوز من الشمس برضعه واحدة، فأين الذين قطعوا عماتهم وخالاتهم، وبناتهم وأخواتهم؟ وهم كثير، قطعوهن من الصلة والزيارة، حتى سمعنا ورأينا من العجائز الطاعنات في السن من تقف الواحدة في فقر، وهي تبكي وتقول قطعني وتركني ولم يلتفت لحالي، فأين الوفاء ؟ وهذا هو ابن عمر رضى الله عنهما يمشي في الصحراء على دابته فيقابله أعرابي فتوقف ابن عمر ونزل، ووقف معه، وقال ألست ابن فلان بن فلان؟ قال بلى، ثم ألبسه عمامة كانت عليه وقال له اشدد به رأسك، ثم أعطاه دابته وقال اركب هذا، فتعجب أصحاب ابن عمر، وقالوا له إن هذا من الأعراب، وهم يرضون بالقليل.

 

فقال إن أبا هذا كان ودّا لعمر، أى أن والد هذا الرجل كان صديق عمر بن الخطاب وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول “إن من أبر البر أن يصل الرجل أهل ود أبيه بعد أن يولي” رواه مسلم، وقال الشافعي رحمه الله “الحر من راعى وداد لحظة” فلو جرت بينك وبين صديق وصاحب مودة لحظة، فإن الحر يراعي ذلك، ويحسن عهد صاحبه بسبب تلك اللحظة، فكيف بمن صداقتك معه سنين، وجرت بينكم أحداث وذكريات، فهل تتذكر مَن أحسنوا إليك في حياتك؟ هل تتذكر إحسان والديك، أم أنه العقوق وعدم الوفاء بحقهما وعقوبة العاق معجلة لصاحبها في الدنيا لقوله صلى الله عليه وسلم “ما من ذنب أجدر أن يعجل الله تعالى لصاحبه العقوبة في الدنيا مع ما يدخره له في الآخرة من البغي وقطيعة الرحم” رواه أحمد.

 

فإنه خلق الوفاء، ما أجمله من خلق وما أرقها من خصلة وما أسماها من صفة، فالوفاء خلق جميل، وكنز ثمين، وإن الوفاء ضد الغدر، ويقال وفى بعهده وأَوفى إذا أتمه ولم ينقضه والوفاء ضد الكذب، فنقض العهد كذب بالفعل، كما أن الوفاء صدق بالفعل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى