مقال

الدكروري يكتب عن دار الغرور

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن دار الغرور

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

إن وصال الدنيا مقرون بالشتات، والحياة الشائقة سائقة إلى الممات، والأغراض فيها أغراض للسهام النائبات، ويكفيكم عظة سلب الآباء والأمهات، فاذكر هاذم اللذات صباحا ومساء، وتفكر في بلى وجوه قد كن صباحا، فقد أفصحت عبر الدهر بالعبر إفصاحا، ولكن كيف يغتر من تعد أنفاسه؟ وكيف يقر من قد قرب اختلاسه؟ فنيت والله الأيام، ولكن بخطايا وآثام، وكأن قد نزل بكم الحمام، وأول ما يلقاكم عند حلول القبر الندامة، وآخر ما ترون عند القيام القيامة، فرحم الله عبدا علم أن الدنيا دار غرور، ففارق ما فارق فيها من الشرور، واختار حزن الحُزن على سهل السرور، ولاحظ قرب الآخرة، فصاحب الصور قد التقم الصور، فمادامت الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة.

 

ومادامت تكاثرا في الأموال والأولاد، وتفاخرا فيما بين الناس، فهذا هو المرض، فما هو الدواء ؟ فإن المنهج المتكامل هو المنهج الذي يضع البديل، إذا كان إقبال الناس على الدنيا إقبال على زينتها، إذا كانوا يلهون بها، إذا تفاخروا فيها، إذا تكاثروا بالأموال والأولاد، هذا هو تشخيص المرض، فما هو الدواء ؟ فإن القرآن الكريم يعرض نماذج من الدواء، فالآية الكريمة وهي قوله تعالى فى سورة المؤمنون ” وإنك لتدعوهم إلى صراط مستقيم، وإن الذين لا يؤمنون بالآخرة عن الصراط لناكبون” والإنسان من خلال هذه الآية الكريمة متى ينحرف عن الصراط المستقيم؟ ومتى يبتعد عن طريق الحق ؟ ومتى يقع في المعاصي ؟ ومتى يتجاوز الحدود ؟ “وإن الذين لا يؤمنون بالآخرة عن الصراط لناكبون”

 

وإذا اعتقد الإنسان وهما أن الدنيا كل شيء، وأنه من كان فيها غنيا فقد ربح، ومن كان فيها فقيرا فقد خسر وانتهى كل شيء، من نتائج هذا التوهم أن ينكب على الدنيا ويدفع الثمن مهما يكن باهظا، وحينما يؤمن الإنسان أنه خُلق لحياة أبدية، وأنه خلق لجنة عرضها السموات والأرض، وأن هذه الدنيا تمهيد لهذه الجنة، وهي دار يمر فيها الإنسان إلى الآخرة وليست دار مقر، فإن الإنسان حينما يؤمن أن الآخرة هي كل شيء، وحينما ينقل اهتماماته إلى الآخرة وحينما ينقل أهدافه إلى الآخرة، عندئذ لا تغدو الدنيا في نظره لا لهوا، ولا زينة، ولا تكاثرا، ولا تفاخرا، فإن هذه الآية دقيقة جدا” وإنك لتدعوهم إلى صراط مستقيم، وإن الذين لا يؤمنون بالآخرة عن الصراط لناكبون”

 

فإنهم ابتعدوا عن الصراط لأنهم آمنوا بالدنيا، ولم يؤمنوا بالآخرة، لأنهم توجهوا إلى الدنيا ولم يتوجهوا إلى الآخرة، لأنهم رأوا أن الدنيا هي كل شيء، ولم يروا الآخرة هي كل شيء، وإن الحل إذن من أجل أن نبتعد عن أن نلهو بالخسيس عن النفيس، ومن أجل أن نبتعد عن الأعمال العابثة في الدنيا التي لا طائل منها، ومن أجل ألا نتفاخر في حطام الدنيا ومن أجل ألا نتكاثر في الأموال والأولاد، ومن أجل ألا تنطبق علينا الآية التي وصف الله بها الدنيا علينا أن نؤمن بالآخرة، فلو سألت كل مسلم في العالم الإسلامي هل أنت مؤمن بالآخرة ؟ لقال نعم، ولكن إذا نظرت إلى سلوكه وإلى طموحاته وإلى حركاته اليومية تتيقن أنه ليس مؤمنا بها، فهو آمن بها بلسانه ولم يؤكد عمله إيمانه بها.

 

فهذا الموقف الازدواجي أن تقول شيئا وأن تفعل شيئا، وأن تعتقد شيئا وأن تفعل خلافه، ألا ترى عقيدتك في سلوكك وأن يُرى ورعك في علاقاتك، فهذا الموقف الازدواجي موقف خطير جدا في المسلم، ربما أهلكه، فإن العلاج الأول هو أن نعمل للآخرة، فالعلاج الأول أن نهتم بكل طاقاتنا، بكل إمكاناتنا في التهيئة لحياة أبدية لا تنقضي، فإن هذا هو العلاج كي لا نقع في هذا المنزلق الخطر، أن نلهو عن النفيس بالخسيس، وأن نعبث في الدنيا، وأن تكون دنيانا لعبا، وأن نبتغي زينة الحياة الدنيا وهي زائلة، وأن نفتخر بما نمتلك، لا أن نفتخر بأعمالنا الصالحة، أن نتكاثر في حطامها دون أن نتكاثر في الأعمال الصالحة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى