مقال

الدكروري يكتب عن الكهف والحضارة الإسلامية

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن الكهف والحضارة الإسلامية

بقلم / محمــــد الدكــــروري

 

إن لكل حضارة ثلاثة اتجاهات رئيسية فالاتجاه الأول يركز على الجانب المادي للإنسان والحياة، والاتجاه الثاني يركز على الجانب الروحي أو المعنوي للإنسان، والاتجاه الثالث وهو الذي يجمع بين الجانبيين المادي والمعنوي للإنسان والحياة، وانطلاقا من هذه الاتجاهات، فإن الحضارة الإسلاميةهي كل إنتاج روحي ومادي يُنسب إلى الشعوب التي دخلت في الإسلام، ونشرت نمط الحياة الإسلامية، ونهضت بفطرة الإنسان روحيا وماديا، ودينا ودنيا، وعقلا وباطنا، وقلبا وضميرا، وكل هذا في توزان فذ واتساق لا نظير له، وإن سورة الكهف التي نقرؤها كل جمعة، هذه التي أرشد النبي الكريم صلى الله عليه وسلم من يريد الوقاية من فتنة الدجال إلى حفظ مطلعها، وأن يقرؤه على الدجال إذا خرج.

 

وسميت السورة بأعجب ما فيها على عادة العرب في التسمية، واختيار الكلمة العجيبة اللافتة للنظر في تسمية قصائدهم، وهذا نزل بلسان عربي مبين، فإذا بالسورة تسمى بسورة الكهف، لماذا؟ لأنه ذكر فيها قصة أصحاب الكهف، فما هو الكهف؟ ومن هم أصحابه؟ ما هي القصة؟ فقد أخبر الله تعالى عن أصحاب الكهف أنهم كانوا فتية شبابا، وأن هؤلاء كان قدم إلى مدينتهم من يدعو إلى الإيمان بالله تعالى وبما جاء به نبي الله عيسى عليه السلام ممن كان على قدم الحواريين، فاستجاب لذلك الفتية وخلعوا الوثنية التي عليها قومهم، وفروا بدينهم خشية أن يفتنهم ملكهم عن دينهم أو يقتلهم، فاستخفوا عنه في الكهف، واعتزلوا فيه يعبدون الله تعالى وحده، ثم روي أن الملك طلبهم فقيل دخلوا هذا الكهف.

 

فقال قومهم لا نريد لهم عقوبة ولا عذابا أشد من أن نردم عليهم هذا الكهف، فبنوه عليهم ثم ردموه، ثم إن الله بعث ملكا على دين نبي الله عيسى عليه السلام، فرفع ذلك البناء الذي كان ردم عليهم، فقال بعضهم لبعض كم لبثتم؟ فقالوا لبثنا يوما أو بعض يوم حتى بلغ قولهم كما قال تعالي ” فابعثوا أحدكم بورقكم هذه إلي المدينة” والورق هنا يراد به العملة من الفضة، فأرسلوا أحدهم يأتيهم بطعام، فلما ذهب ليخرج رأى على باب الكهف شيئا أنكره، فأراد أن يرجع، ثم مضى حتى دخل المدينة، فأنكر ما رأى، ثم أخرج درهما فنظروا إليه فأنكروه وأنكروا الدرهم، وقالوا من أين لك هذا؟ فهذا من ورق غير هذا الزمان، واجتمعوا عليه يسألونه، فلم يزالوا به حتى انطلقوا به إلى ملكهم، فأخبرهم بأمره.

 

فاستبشروا به وبأصحابه، وقيل له انطلق فأرنا أصحابك، فانطلق وانطلقوا معه ليريهم، فدخل قبل القوم فضرب الله على آذانهم، وقال تعالي ” قال الذين غلبوا علي أمرهم لنتخذن عليهم مسجدا” وقال الله تعالى موجها الخطاب لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم ” أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجبا” والكهف هو الغار الواسع في الجبل، والرقيم قيل هو اسم كلبهم، وقيل هو لوح رقم فيه حديثهم وجعل على باب الكهف، فيقول تعالي ” إذ أوي الفتية إلي الكهف فقالوا ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيئ لنا من أمرنا رشدا” أي أووا إلى الكهف خوفا من إيذاء الملك لهم بسبب تركهم لعبادة الأوثان والذبح لها، فدعوا الله سبحانه وتعالى أن يؤتيهم من خزائن رحمته، وهي المغفرة والرزق والأمن من الأعداء.

 

وأن ييسر لهم بسبب اختيارهم للكهف مقرا لمفارقتهم الكفر رشدا، وهو توحيد الله وعبادته، فيقول تعالي ” فضربنا علي آذانهم في الكهف سنين عددا”أي أنمناهم نومة ثقيلة لا ينبههم صفير الخبر، ولا دعوة الداعي الخبير، وبقوا نائمين في الكهف سنين ذوات عدد كثير، ويقول تعالي ” ثم بعثناهم لنعلم أي الحزبين أحصي لما لبثوا أمدا” أي أيقظناهم إيقاظا يشبه بعث الموتى، لنعلم أي الحزبين المختلفين في مدة نومهم أشد إحصاء أي إحاطة وضبطا لغاية مدة لبثهم نائمين، فيعلموا قدر ما حفظهم الله تعالى بلا طعام ولا شراب، وآمنهم من العدو، فيتم لهم رشدهم في شكر الله، وتكون لهم آية تبعثهم على عبادته.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى