مقال

الدكروري يكتب عن الإنسان والحياة

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن الإنسان والحياة

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

إن الرحمة صفة تقتضي إيصال المنفعة والمصالح إلى العبد ودفع الضرر والشهوات عنه، وكما تنبع أهميتها في أن الله تسمَّى واتصف بالرحمن والرحيم، وهي أساس مهم يقوم عليها المجتمع فرحمة الله تتجلى بعطفه، وإحسانه، ورزقه لعبده، كما تتمثل الرحمة بصور عديدة في حياتنا كرحمة الأب بابنه فهو يعمله ويأدبه ليدفعه عن المساوىء والآثام، وإن الحياة تعاون وبذل وتضحية، والإنسان كلما كان أشد مواساة لأخوانه, كلما كان أقرب عند الله عز وجل, أو بالعكس، كلما ازداد إيمانه, اشتدت مواساته لأخوانه، فإن الإسلام حركة وعمل وبذل وعطاء، وهكذا كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن للفقر لوعته وللعوز حرقته، وكم هي مُرة تلك الآلام والحسرات التي يشعر بها ذلك الفقير المعدم.

 

حين يرمي بطرفه صوب بيته المتواضع المملوء بالرعية والعيال، وهم جياع لا يجدون ما يسد جوعتهم، ومرضى لا يجدون من يعالجهم، كم من مدين أرهق ظهره ثقل الدين، وناء جسده عن تحمل هذا الهم المؤرق، وكم من فقير ضاقت به الدنيا وانسدت في وجهه أبواب الرزق، لولا بقية باقية من الأمل والرجاء فيما عند الله عز وجل، وإن جبر الخواطر خلق إسلامي عظيم يدل على سمو نفس وعظمة قلب وسلامة صدر ورجاحة عقل ونبل محتد وكرامة أصل وأصالة معدن، وشهامة مقدرة ورجولة مباركة، فتطييب النفوس المنكسرة وجبر الخواطر من أعظم أسباب الألفة والمحبة بين المؤمنين، وهو أدب إسلامي رفيع، وخلق عظيم لا يتخلق به إلا أصحاب النفوس النبيلة.

 

وكل منا يتعرض في حياته للهموم والكروب والضيق والاحزان، ويصبح بحاجة إلى من يأخذ بيده ويجبر بخاطره ويمسح عن قلبه غاشية الحزن ويرفع عن صدره جاثمات الكرب، فجبر الخواطر يعني فيما يعنيه تثبيت الآخر ورفع همته وتهوين مصيبته وإقالة عثرته والأخذ بيده حتى يقف على قدميه، فما أجمل وأنت في غمرة الحزن، أن تمتد إليك يد تسعفك أو تسبق إلى أذنك كلمة تشد من ازرك وتسعدك، وتهون من امر المصيبة وتنجدك، فنحن نحتاج اليوم إلى تطييب الخاطر، وقد تكون مواقع بعض الناس الاجتماعية مؤهلة لهم لذلك كالمفتي، والعالم، والإمام، والخطيب، والطبيب، وهكذا المدير، فإن المدير يقوم بدور عظيم، في تطييب خواطر الموظفين، والكلمة اللطيفة منه، والتشجيع.

 

والدعم النفسي والمعنوي لا شك أن له أثر عظيم في نفوس من تحته، وقد يصبح المريض صحيحا بمثل هذا، ويصلح المخطئ، ويزول حزن المهموم، والكلام يجب أن يُنتقى بمثل التذكير برحمة الله، وسعة فضله، وإن مع العسر يسرا، وبعد الهم فرجا، ومن يتق الله يجعل له مخرجا، وانتظار الفرج عبادة، ورحمة الله بالمضطرين، وأمن يجيب المضطر إذا دعاه، والمعونة تنزل على قدر الشدة، وهكذا من الكلام الطيب الذي جاء في الكتاب والسنة، فإن جبر الخواطر وتطييب النفوس خلق كريم وصفة من صفات المؤمنين الأتقياء، وهو عبادة جليلة وسهلة وميسورة، أمر بها الدين، وتخلق بها سيد المرسلين محمد صلى الله عليه وسلم، وإن من أسماء الله الحسنى وصفاته العُلى الجبار.

 

وقد جاء في تفسير السعدي، بأن الجبار هو بمعنى العلي الأعلى، وبمعنى القهار، وبمعنى الرؤوف الجابر للقلوب المنكسرة، وللضعيف العاجز، ولمن لاذ به ولجأ إليه، ومما يدل على جبر الخواطر وتطييب النفوس في القرآن الكريم، قوله تعالى فى سورة يوسف ” فلما ذهبوا به وأجمعوا أن يجعلوه فى غيابة الجب وأوحينا إليه لتنبئنهم بأمرهم هذا وهم لا يشعرون” فكان هذا الوحي لتثبيت نبى الله يوسف عليه السلام ولجبر خاطره، فإنه ذاك المظلوم الذي أوذي من أخوته، فالذي يؤذى ويظلم يحتاج إلى جبر خاطر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى