مقال

صراع الإسترداد.

صراع الإسترداد.

بقلم / زينب محمود حوسو

امبراطورية تحكم العالم. عشوائية واستكبار على الجنس البشري، وازدواجية، بل تعدد معايير. نظامها الراهن ينتج السلاح والجيوش بما يفوق بقية العالم مجتمعاً. قوة لا حدود لها كما يعتبر أصحابها. هيمنة على الكرة الأرضية معنوية (أعلام يصنع العقول) ومادية (اقتصاد مالي) تفقر الشعوب. تباه بالديمقراطية يصنع الطغاة في الدول الأخرى. استعلاء أخلاقي على الآخرين يعمم عنصرية تفرض شروطها على الآخرين. “مدينة على جبل”، كما قال أوائل المهاجرين في بداية القرن السابع عشر. أرض الله الموعودة كما تعمم لدى سكانها. هم في أكثريتهم مهاجرون. رسخت نفسها الامبراطورية على إبادة السكان الأصليين وحشر من تبقى منهم في منعزلات. في ذاكراتهم أرض أميركا لهم، في الواقع ليس لهم شيء. اعتقاد راسخ بالاستثنائية؛ هم غير باقي الشعوب؛ عقدة التفوّق تحتجب وراء ستار نشر الديمقراطية وحقوق الإنسان. اقتصاد بالأمر. ديبلوماسية بالأمر لا بالحوار. أمر اليوم إنتاج الحروب (إنتاج السلاح والجيوش). الحرب الباردة دائمة. الحرب الساخنة متقطعة. في الحالتين بلاء يصيب العالم. محمية بمحيطين كبيرين من الشرق والغرب ودول خاضعة في الشمال والجنوب. نصف الكرة الغربي حوض لها. ممنوع على الآخرين اختراقه. كل واحدة من السمات المذكورة أعلاه تمثلت في العقيدة المعلنة لكل رئيس لها منذ الاستقلال في أواخر القرن الثامن عشر حتى اليوم. لم يمر عام منذ الاستقلال حتى اليوم دون حروب صغيرة أو كبيرة. الانتصارات بالنسبة لها أمر مفروغ منه، حصيلة مؤكدة، إلا حين تكون المعارضة في الداخل قوية كما في حرب فيتنام.

 

تعود الى الأذهان أزمة الصواريخ في أيام الرئيس كينيدي. تفاصيل الأزمة معروضة في فيلم بعنوان “13 يوماً”، وفي كتاب بالعنوان نفسه، إضافة الى كتابات كثيرة. منها الغث ومنها السمين. نتجت الأزمة عن محاولة السوفيات تركيب صواريخ في كوبا القريبة من شواطىء الولايات المتحدة (120 كلم عن ميامي). استشاط النظام الأميركي غضبا. عاش العالم على شفير حرب نووية. سحب السوفيات صواريخهم. هدأت العاصفة.

 

هي البلد الوحيد الذي استخدم السلاح النووي. كان ذلك ضد اليابان في نهاية الحرب العالمية الثانية، بعد استسلام اليابان وقبل التوقيع على شروط الاستسلام. استخدام النووي في هيروشيما وناكازاكي كان من أجل أن يصير الاستسلام دون شروط. السلام كان حصل. لم يكن هو الغاية. ما كان الهدف إلا أن يكون الاستسلام غير مشروط. سحق العدو. تحطيم إرادته، ثم إعادة تركيبه على صورة السادة.

 

أزمة الصواريخ نتجت عما اعتبرته الامبراطورية تهديدا لها. أزمة الناتو في أوكرانيا، وهي أزمة صواريخ معكوسة، تنتج عما يعتبره الروس تهديداً لهم أو خطراً عليهم. ما يحق للامبراطورية لا يحق لغيرها. ربما نتذكر أيضاً أن روسيا بعد سقوط الاتحاد السوفياتي استباحتها الامبراطورية العظمى. ايديولوجيا الخصخصة والنيوليبرالية كانت في أوجها. بيعت معظم الموارد الطبيعية في روسيا لسبع شركات؛ ستة منها كان على رأسها يهود من الأثرياء الجدد. وفي أيام يلتسين، حين كان رئيساً لروسيا، قوبل طلب الانضمام الى حلف الناتو بالرفض. تماما كما حصل عندما حاولت تركيا الانضمام للاتحاد الأوروبي ورُفِضت.

لا تنقص بوتين حمية أن يكون قبضاي المنطقة وأزعرها. في الداخل الروسي سحق شعب الشيشان وداغستان. في الخارج سحق جورجيا وقازاخستان (وثورتها)، وسلخ شبه جزيرة القرم من أوكرانيا. والآن يدعم الانفصاليين في الداخل الأوكراني. حلم الوحدة السلافية لا يفارقه كما يبدو.

 

جاء بوتين في صراع من أجل الاسترداد. يذكرنا بحروب الإسبان في الأندلس التي سميت حروب الاسترداد ضد العرب البربر. انتهت الحرب الإسبانية بطرد المسلمين من الأندلس جماعيا. أبيد الذين منهم لم يتحولوا عن دينهم. لا تنقص بوتين ولا الروس عصبية قومية دينية. بوتين عمّد نفسه دينياً في نهر الأردن في بداية حكمه. ما يزال حلم أن تكون موسكو “روما الثالثة” حلماًعلى قيد الحياة. بيزنطة كانت بمثابة “روما الثانية”. لم تستطع الشيوعية رغم حكم شيوعي توتاليتاري أحادي من تخفيض حمية الدين.

عندما أزمعت أوكرانيا على الانضمام الى حلف الأطلسي، كان الناتو قبل ذلك قد وعد روسيا بعدم تمدده شرقاً ولو إنشاً واحداً. وعود نُكِثَ بها؛ ما يذكرنا بالاتفاق النووي الذي عقده أوباما مع إيران ثم مزقه ترامب في مشهد مسرحي. امبراطورية عظمى نهجها العشوائية في حكم العالم. لا تطيق ظهور قبضايات في أي حي من المدينة الكونية العولمية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى