مقال

الدكروري يكتب عن كل نفس ذائقة الموت

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن كل نفس ذائقة الموت

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

يا من جمعت الأموال وأسرفت على نفسك بالمعاصي والآثام هل أنقذك مالك من الأهوال؟ كلا بل تركته خلف ظهرك وقدمت بأوزارك على الملك الديان، فسبحان من تعزز بالقدرة وقهر الجبابرة بالموت، وفي سنن النسائي رحمه الله عن النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم قال “إذا حضر المؤمن، أي عند قبض روحه، أتته ملائكة الرحمة بحريرة بيضاء فيقولون أخرجي راضية مرضيا عنك إلى روح وريحان ورب غير غضبان فتخرج كأطيب ريح المسك حتى أنه ليناوله بعضهم بعضا حتى يأتوا به باب السماء فيقولون ما أطيب هذه الريح التي جاءتكم من الأرض فيأتون به أرواح المؤمنين فلهم أشد فرحا من أحدكم بغائبه يقدم عليه.

 

فيسألونه ماذا فعل فلان، ماذا فعلت فلانة فيقولون دعوه فإنه كان في غم الدنيا، فإذا كان، يعني ميتا، قال أما أتاكم قالوا ذهب الأمة الهاوية وإن الكافر إذا حضر أتته ملائكة العذاب بمسح أي كفن من النار، فيقولون أي لروحه، اخرجي ساخطة مسخوطا عليك إلى عذاب الله فتخرج كأنتن ريح جيفة حتى يأتوا بها باب الأرض فيقولون ما أنتن هذه الريح حتى يأتوا بها أرواح كفار يعني في السجن أسفل سافله وفي مسند الإمام أحمد رحمه الله، وعن رجل من الصحابة رضي الله عنهم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال “من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه، قالوا إنا نكره الموت، قال ليس ذلك ولكنه إذا حضر،

 

فأما إن كان من المقربين فروح وريحان وجنة نعيم فإذا بشر بذلك أحب لقاء الله، والله عز وجل للقائه أحب وأما إن كان من المكذبين الضالين فنزل من حميم فإذا بشر بذلك كره لقاء الله، والله للقائه أكره” فإن الواجب على المسلم الفطن أن يتفكر في أحوال الأمم السابقة والقرون الماضية وقد بنوا المدائن وجمعوا الخزائن وحفروا الأنهار، وشيدوا القصور وعمروا الديار ولربما ظنوا أنهم في هذه الدنيا مخلدون وما هم عنها براحلين، فبينما هم يعيشون مرفهين في هذا الحلم إذ هجم عليهم هادم اللذات ومفرق الجماعات وهو الموت، فأصبحوا عظاما رميما، ورفاتا هشيما وإذ بمنازلهم خاوية وقصورهم خالية، وأجسادهم بالية،

 

وأصواتهم خافتة، فأصبحوا لا يُرى إلا مساكنهم وقد خلفوا كل شيء وراءهم، لم يأخذوا معهم مالا ولا جاها ولا منصبا إلا الصاحب الملازم وهو العمل، وها هم قد سكنوا القبور الموحشة حيث لا أنيس ولا صاحب وقد تساوى في سكناها جميع الناس غنيهم وفقيرهم، شريفهم وحقيرهم، وهكذا فإن الموت أعظم واعظ وأبلغ زاجر وقد أوصى رسولنا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم بالإكثار من ذكره لما فيه من دفع المرء لعمل الصالحات، فإن الموت هو تلك الحقيقة التي يوقن بها كل عبد، ويعرف أنه منته إليها لا محالة، طال عمره أم قصر، فلا بد من ساعة الرحيل، وسكنى ذلك القبر الموحش فقال تعالى.

 

“كل نفس ذائقة الموت وإنما توفون أجوركم يوم القيامة فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور” فكم من صاحب قريب كنا نأنس بقربه ونستعذب حديثه، هو الآن في ظلمة القبور لقد تخطانا الموت إليه، ولا بد من ساعة يتخطى غيرنا إلينا، فعلى أي حال سنكون؟ وماذا أعددنا لذلك اليوم ؟ فلقد خوّفنا الموت بمن أخذ منا ووعظنا بأخذهم أعظم موعظة، وحذرنا أشد تحذير فهل اتعظنا ؟ فما لنا فى كل يوم نشيع غاديا إلى ربه ونرجع وكأن شيئاً لم يكن؟ نرجع للغفلة والنسيان وركوب بحر التمني، فإن الموت وعد صادق، وحاكم عادل، وكفى به مقرحا للقلوب، ومبكيا للعيون، ومفرقا للجماعات، وهادما للذات، وقاطعا للأمنيات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى