مقال

الدكروري يكتب عن نعيم الجنة الحقيقي

الدكروري يكتب عن نعيم الجنة الحقيقي
بقلم/ محمـــد الدكـــروري

إن نعيم الجنة الحقيقي ليس في لبنها، ولا خمرها، ولا ذهبها، ولا قصورها، ولا حريرها، ولا حورها، وإنما نعيم الجنة الحقيقي في رؤية وجه ربها، فقال جل جلاله فى سورة القيامة “وجوه يومئذ ناضرة، إلى ربها ناظرة” وإن من صور السعادة الأخروية هو السعادة بشفاعته صلى الله عليه وسلم، وإن قلة السعادة وذهابها إلى غير أهلها وانتشار الشقاء بيننا من علامات الساعة، فعن حذيفة بن اليمان قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” لا تقوم الساعة حتى يكون أسعد الناس بالدنيا لكع ابن لكع” رواه الترمذي ومعنى لكع بن لكع، أي لئيم ابن لئيم، أي رديء النسب، دنيء الحسب، وقيل أراد به من لا يعرف له أصل.

ولا يحمد له خلق، وقيل أن اللكع عند العرب هو العبد ثم استعمل في الحمق والذم، وقيل الوسخ، ومما يؤكد لنا أن الإسلام دين السعادة هو شهادة غير المسلمين بذلك، فيقول روجييه دوباكييه وهو مفكر وصحفي سويسري كنت اسأل نفسي لماذا يشعر المسلمون بسعادة تغمر حياتهم رغم فقرهم وتخلفهم؟ ولماذا يشعر السويديون بالتعاسة والضيق رغم سعة العيش والرفاهية والتقدم الذي يعيشون فيه؟ حتى بلدي سويسرا كنت أشعر فيها بنفس ما شعرت به في السويد، رغم أنها بلد ذات رخاء، ومستوى العيش فيها مرتفع وأمام هذا كله وجدت نفسي في حاجة لأن أدرس ديانات الشرق، وبدأت بدراسة الديانة الهندوكية.

فلم أقتنع بها كثيرا، حتى بدأت أدرس الدين الإسلامي، فشدني إليه أنه لا يتعارض مع الديانات الأخرى، بل إنه يتسع لها جميعا، فهو خاتم الأديان، وهذه حقيقة بدأت تتسع عندي باتساع قراءاتي حتى رسخت في ذهني تماما أنه دين السعادة والطمأنينة، ويقول نسيم سوسة محاضر عراقي يهودي عن سعادة البشرية، يجب أن لا يغرب عن البال أن المدنية الغربية الحديثة، خابت في إرضاء النفوس، وأخفقت في إيجاد السعادة البشرية فهبطت بالناس في هاوية الشقاء والارتباك لأن جهود العلم الحديث موجهة إلى التدمير والإفناء، فهو بعيد والحالة هذه من أن يتصف بالكمال، أو أن يكون واسطة لخدمة الإنسانية كما كان في عهد الإسلام.

فالكل يبحث عن السعادة والكل يتمني أن يكون سعيدا ويظن البعض أن السعادة في مال أو منصب أو جاه أو سلطان أو شهرة أو غير ذلك من أعراض الدنيا الزائلة ولكن السعادة الحقيقة ليست مادية وإنما هي معنوية روحية، فحينما تغذى الجانب الروحي تصير سعيدا مطمئنا قرير العين خالي البال، أما إذا أهملت الجانب الروحي وغذيت الجانب المادي وهو الجسد فقط، فأنت في هذه الحال كالبهائم أعزكم الله، وقد قال تعالى فى سورة محمد “والذين كفروا يتمتعون ويأكلون كما تأكل الأنعام والنار مثوى لهم” وقيل لو كانت السعادة تكمن في ملذات الجسد وحدها, لكان الثور الذي يعيش في زريبة واحدة مع بقرة سمينة أكثر سعادة من البشرية جمعاء.

وقيل إن السعادة أصلها شعور ديني وليست شعورا ماديا ولهذا يمكن أن ينتحر مليونير يملك باخرة وطائرة وعدة ملايين من الدولارات، في حين تجد العابد الذي يعيش على الكفاف يضيء وجهه بسكينة داخلية لا حد لها، فالسعادة ليست في الجمال ولا في الغنى ولا في الحب ولا في القوة ولا في الصحة, ولكن السعادة في استخدامنا العاقل لكل هذه الأشياء، فمن اجتهد في تزكية نفسه وترقيتها، حتى يبلغ درجة الإحسان، فقد فاز بسعادة الدنيا وسعادة الآخرة، وتلك هي السعادة الحقة التي تختلف اختلافاً كبيرا عن السعادة المتوهمة، التي يسعى إليها أهل الدنيا، فهم يشقون ليحظوا بها، فلا ينالون إلا مزيدا من الشقاء والتعاسة، فإن سلفنا الصالح كانوا في سعادة غامرة مع قلة الزاد والمتاع عندهم ومن أقوالهم المشهورة هو لو يعلم الملوك وأبناء الملوك ما نحن فيه من السعادة لجالدونا عليها بالسيوف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى