مقال

الدكروري يكتب عن مقياس تفوق الحضارات

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن مقياس تفوق الحضارات

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

إن الفكر هو أرفع مقامات النعم التي امتن الله عز وجل بها على الإنسان، فدونه لن تكون هداية أو ممارسة حياة، وبذلك اشترط الشرع سلامة العقل ويقظته، ومن ثم الحفاظ على سلامته، والحرص على هذه السلامة وتلك الاستقامة فريضة التزام ومسؤولية شرعية، ومن ثم تستوجب هذه المسئولية توجيه الفكر متجها إلى اجتناب الضرر وجلب النفع، وبذلك يوجه العلم النافع وجوبا لمصلحة الناس والمجتمع في دينهم ومعاشهم، والنبي صلى الله عليه وسلم كان دوما يسأل الله تعالى فيقول ” اللهم إني أسألك علما نافعا ” رواه أحمد وابن ماجة، وكما كان صلى الله عليه وسلم يستعيذ بالله تعالى قائلا ” اللهم أني أعوذ بك من علم لا ينفع ” رواه مسلم.

 

ولم يرى الغرب أن مقياس تفوق الحضارات لا يكون في حجم إنتاجها فقط وإنما في أخلاقية الجماعات المتحضرة في المجتمع وخدمتها للإنسانية، حيث انحصرت وجهة النظر الغربية في عرقٍ معين أو نطاق دولة معينة، أو طبقة ما، والجدير بالذكر أن انفصال الحضارة عن الدين في المجتمع الغربي أدى بها إلى الانحلال، والذي أدى بدوره إلى مشكلات عديدة أهمها انهيار الأسرة، وتفككها، وانتشار المخدرات، وغيرها من مشاكل المجتمعات الغربية، وأما عن عوامل قيام الحضارات في الرؤية الإسلامية، فلقد استخلف الله تعالى الإنسان في الأرض للقيام بدوره الحضاري فيها، ويمكن القول إن تقدم المجمتع وتخلفه يرجع للإنسان نفسه.

 

وقد أكد القرآن الكريم هذا الأمر عندما بيّن أن أي تغيير في العالم يبدأ من تغيير الناس لما في أنفسهم، إذن فإن قيام الحضارة وسقوطها يعود إلى الموقف البشري نفسه، والإرادة الإنسانية وليس إلى الطبيعة أو المادة، كما أن بقاء الأمة وحضارتها مرتبط بصلاح نفوسها وفسادها سواء داخليا أو خارجيا، أما التغيير الداخلي للنفس فيحدث من خلال الإيمان، والذي يعمل على تنشئة الأفراد على الصدق، والأمانة، والإخلاص، ومحاسبة النفس وضبطها، كما يؤهلهم لبناء حضارة ومجتمع مزدهر، ويعد الإيمان الأساس الذي تقوم عليه الحضارة لما يحدثه من آثار في حياة الإنسان، ويبين الإيمان حقيقة الوجود ويرسم غاية الحياة.

 

وحقيقة التوحيد التي تمثل جوهر العقيدة التي يتم بناء الحضارة على أساسها، ويشكل الإيمان الوعي الجماعي للمجتمع الذي تقوم عليه الحضارة، فلكل دائرة حضارية نظرياتها المعرفية المحددة لخصائصها الجوهرية والتي تمنحها الهوية الثقافية والاجتماعية المتميزة، كما أن الإيمان يبدأ بعملية إصلاح القلب والذي يتبعه صلاح في الأعمال، وبالتالي الانعكاس على قيام الحضارة المادية، ويقوم الإيمان على الوسطية في مبادئه والتي تعد سيرة المسلمين التي بنوا عليها حياتهم القائمة على العدل الذي يعد منطلقا للتغيير، والتعمير، والاستثمار، ويمكن القول إن الوسطية قاعدة أساسية من قواعد التحضر الإسلامي، في مختلف الجوانب الفكرية.

 

والسلوكية، والتعميرية، وبما أن الإيمان يعني المعرفة والتصديق والعمل فإن ذلك يعني تكامل العلم والعمل معا، مما يتيح للفرد أن يتطور ويحقق العمران في الأرض، وبالتالي البعد عن الفساد والإفساد فيها، وهذا يعني تحقيق الهدف من استخلافه، وإن الإيمان بالله وتوحيده هو المرجع والمبدأ، الذي تنبثق عنه كافة المفاهيم والقيم التي تمنح الحضارة الإسلامية هويتها كما ويربط جميع مكوناتها لتصبح كيانا متكاملا، وقد ارتبطت علاقة التوحيد بجميع مظاهر الحضارة، حتى إن المسلمين قد اتخذوا التوحيد عنوانا لجميع أبحاثهم وأدرجوا الموضوعات الأخرى تحت لوائه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى