مقال

الدكروري يكتب عن التدخل في شؤون الآخرين

جريده الاضواء

الدكروري يكتب عن التدخل في شؤون الآخرين

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

إن الصحيح قد يأتيه جرثومة، وتكون قوة مناعته كبيرة فيردها ويقضي عليها، لكن ضعيف المقاومة وضعيف المناعة أضعف الجراثيم يجعله مريضا، فيقعده في الفراش، وكذلك مرض القلب، فإنه أي شيء يفتنه، وأي شيء يصرفه عن الحق ويغريه بالمعصية، لأنه في الأصل مريض، البرد قد يصيب الصحيح فلا يتأثر به عنده مقاومة، ومن كان قلبه سليما لا يتأثر بالمغريات، ولا بمظاهر القوة التي يراها عند الكفار، ولكن القلب المريض يضعفه أي شيء، فلذلك القلب المريض يزداد مرضا، وإن أردت أن تتقرب إلى الله لا تكفيك الاستقامة، لابد من عمل صالح ماذا بذلت؟ فماذا أعطيت لهؤلاء المسلمين؟ وماذا قدمت لعباد الله الصالحين؟ وماذا قدمت لخلق الله أجمعين؟ وماذا قدمت لغير البشر؟

 

فهل عالجت حيوان؟ أو هل أطعمت جائعا؟ أو هل سقيت حيوانا يعاني من العطش؟ ولقد غفر الله تعالي لامرأة رأت كلبا يأكل الثرى من العطش، فهل لك عمل صالح؟ وهل حملت بعض هموم المسلمين؟ وهل أنفقت بعض مالك ووقتك وجهدك الذي لا تملك إلا غيره أحيانا؟ وهل أنفقت من علمك وربيت أولادك؟ فلابد من حركة نحو الله عز وجل، وعلينا أن نعلم إن العلاقة القريبة بالآخرين لا تجيز للمرء التدخل في شؤونهم الخاصة على نحو تلقائي، ولا يجوز أن يبرر ذلك التدخل بإسداء النصيحة لهم أو ممارسة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر معهم، ذلك أن إسداء النصيحة له ضوابطه، وعلى رأسها أن يجري تقديمها في حال الطلب، ناهيك عن أن النصيحة لها آدابها.

 

ومن ذلك عدم ملاءمتها في حال انعدام رغبة الآخرين في الاستماع لها، وكذلك الحال مع مسألة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي له أحكامه وضوابطه، والذي لا يسوغ إلا في حالات الضرر والمخالفة الصريحة للشرع، وليس من موارد ذلك الشؤون الذاتية الخاصة بالإنسان، فلا يصح الخلط بين الأمور، وإن هناك جملة أسباب تدفع بالبعض للتدخل في الشؤون الخاصة بالآخرين وأول هذه الأسباب ربما كان الرغبة في التسلية وملء الفراغ، فهناك أناس فارغون لا شغل عندهم، فيتسلون بالتدخل في شؤون الآخرين، وغاية الهم عند أمثال هؤلاء أن فلانا واقع في مشكلة مع زوجته هذه الأيام، وأن أخرا لديه خلاف مع ولده.

 

وينبغي أن يقال لهؤلاء ما شأنكم والناس، وما الذي يسوغ لكم التدخل في شؤون الآخرين، اللهم إلا الرغبة في التسلي بشؤون الناس، نتيجة الفراغ وقلة الاهتمامات المفيدة، وهي الصفة الذميمة التي ابتلي بها بعض الناس، والسبب الآخر هو رغبة البعض في استعراض قدراتهم، فأمثال هؤلاء يظهرون أنفسهم بمظهر المُنظر الجهبذ وصاحب الرأي الأوحد في كل الشؤون والقضايا، وبذلك يسوغ الواحد من هؤلاء لنفسه دس أنفه في كل شأن خاص بالآخرين، حتى تجده في موضع الناصح للتاجر الخاسر، والمشير على المريض الخارج من عملية جراحية معقدة، وحلال المشاكل العائلية، كل ذلك دون أن يستشار أو يطلب رأيه أحد.

 

اللهم إلا إبداء القدرات التي لم يجد لها سبيلا سوى التدخل في شؤون الآخرين، وهو ايضا امتلاك البعض عقدا نفسية وشحنات سلبية وتراكمات يسعى لتنفيسها عن طريق التطفل على حياة الآخرين أو يكون ابتلاء البعض بنزعة فضولية تدفعه لدس أنفه في كل شاردة وواردة تتعلق بالحياة الخاصة بالآخرين، فلا يكاد يرى شخصا إلا ويسعى لإشباع فضوله بالوقوف على كل صغيرة وكبيرة متعلقة بذلك الشخص، وقد يبدو الأمر للوهلة الأولى صادرا عن نية حسنة، لولا أن الطريقة الخاطئة التي يتناول بها خصوصيات الآخرين تستحيل إلى تدخل سلبي مقيت.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى